بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین و صلی الله علی سیدنا محمد و آله الطاهرین سیما بقیة الله فی الارضین و اللعن علی اعدائهم الی یوم الدین
منشأ هذا الاصطلاح والبحث عنه عبارة الكشي في ثلاثة مواضع:
أ) في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر و أبي عبدالله>.
قال الكشي: اجتمعت العصابه علی تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبيجعفرR و أبيعبداللهR و انقادوا لهم بالفقه، فقالوا أفقه الأولين ستة: زراره و معروف بن خربوذ و برید و أبوبصير الأسدي و الفضيل بن يسار و محمد بن مسلم الطائفي. قالوا و أفقه الستة زراره و قال بعضهم مكان أبيبصير الأسدي أبوبصير المرادي و هم لیث بن البختري.[۱]
ب) تسمية الفقهاء من أصحاب أبيعبداللهR
أجمعت العصابة علی تصحيح ما يصح من هؤلاء و تصديقهم لما يقولون و أقروا لهم بالفقه، من دون أولئك الستة الذين عددناهم و سمیناهم، ستة نفر: جميل بن دراج، و عبدالله بن مسکان، و عبدالله بن بكير، و حماد بن عيسی، و حماد بن عثمان، و أبان بن عثمان، قالوا و زعم أبوإسحاق الفقيه یعني ثعلبة بن ميمون: أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج و هم أحداث أصحاب أبيعبد الله علیهالسلام.[۲]
ج) تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيمR و أبي الحسن الرضاR
أجمع أصحابنا علی تصحيح ما يصح عن هؤلاء و تصديقهم، و أقروا لهم بالفقه و العلم و هم ستة نفر آخر دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبداللهR، منهم يونس بن عبد الرحمن و صفوان بن يحيی بياع السابري و محمد بن أبي عمير و عبد الله بن المغيرة و الحسن بن محبوب و أحمد بن محمد بن أبي نصر و قال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال و فضالة بن أيوب و قال بعضهم مكان ابن فضال عثمان بن عیسی، و أفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن و صفوان بن يحيی.[۳]
إن هذا من التوثيقات العامة و الهامة في علم الرجال و حسب تعبير المحدث النوري۸ فإنه من مهمات هذا الفن، إذ علی بعض التقادير تدخل آلاف من الأحاديث الخارجة عن حريم الصحة إلی حدودها، أو يجري عليها حكمها[۴]. و هم ثلاث جماعات سداسية، ثمانية عشر من الرواة من أصحاب الإمام الباقرR إلی الإمام الرضاR سموهم في علم الرجال به «أصحاب الإجماع».
و نوقش فيه
أولا:
أنه إجماع منقول بالخبر الواحد و لا نعتمد عليه كما حقق في الأصول بأن أدلة حجية الخبر الواحد لا تشمل الأخبار الحدسية[۵].
و فيه:
أنا لا نريد بالإجماع المنقول هنا کشف رأي المعصومR كما نستكشفه حدسا من الإجماع المحصل، بل نريد به هنا إثبات شهادة الأصحاب علی وثاقة مشايخ المذكورين فكلام الكشي إخبار بالخبر الواحد علی موضوع شرعي هو شهادة الأصحاب.
و ثانيا:
بعد تسليم صحة الإجماع فإن معقده محتمل الوجوه و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. فاختلفوا في متعلق الإجماع و تعيين المراد من «ما» الموصولة في عبارة الكشي۸ «تصحيح ما يصح» علی احتمالات بل أقوال:
[الاقوال]
أولها:
إفادة التصديق الخبري و التصديق المخبري معا و الفرق بينهما واضح. فيحكم بصحة كل حديث رواه أحد هؤلاء إذا صح السند إليه، حتی إذا كانت روايته عمن هو معروف بالفسق و الوضع، فضلا عما إذا كانت روايته عن مجهول أو مهمل، أو كانت الرواية مرسلة، فكل ما يصح سنده إلی هؤلاء يكون صحيحا إلی المعصومR، مضافا إلی الدلالة علی وثاقة المخبر ـ أي من روی هؤلاء عنه ـ فيصبح المخبر ثقة و يؤخذ برواياته ولو في أسناد أخری لم یکن الراوي عنه أحد هؤلاء.
و نسب هذا القول إلی المشهور[۶] وذهب إليه بعض أعلام الطائفة كصاحب الوسائل حيث قال في أوائل الفائدة السابعة من خاتمة الكتاب: «و ناهيك بهذا الإجماع الشريف الذي قد ثبت نقله و سنده قرينة قطعية علی ثبوت كل حديث رواه واحد من المذكورين مرسلا أو مسندا عن ثقة أو ضعيف أو مجهول لإطلاق النص و الإجماع كما تری»[۷].
و قال أيضا في هداية الأمة: «هذا الإجماع مستنده النصوص من الأئمةM و هو قرينة قطعية علی صحة رواياتهم الثابتة عنهم مسندة كانت عن ثقة أو ضعيف أو مجهول أو مرسلة، و من تتبع علم أنهم قد رووا جميع أحاديث الأحكام الشرعية و قلما يخلو سند من واحد منهم أو جماعة»[۸].
ثانيها:
إفادة التصديق المخبري فقط، أي توثیق مشايخ أصحاب الإجماع[۹] لاطلاعهم و علمهم بوثاقة من يروون عنه مسندا و مرسلا، و لازمه عند بعضهم التصديق الخبري أيضا، فكل مجهول الحال يروي عنه أصحاب الإجماع مباشرة فقط أو بالواسطة – علی وجه آخر ـ فإنه يوثق و كذا الضعيف، فإن روايتهم عنه تكون بمثابة الشهادة علی تعديله، و عليه و علی القول الأول و الثالث يعتمد علی مراسيلهم كما يعتمد علی مسانیدهم، وإن كانت الوسائط مجهولة أو مهملة.
و لا يخفی عدم الملازمة بين التصديقين المخبري و الخبري، لأن النسبة بينهما من وجه، فربما يكون المخبر صادقا و ثقة في نفسه و مع ذلك لا يصدق خبره، و ذلك لأن خبره مخالف للمذهب و غير ذلك من الوجوه. و في الطرف الآخر ربما يكون الخبر صادقا لاحتفافه بقرائن مع أن مخبره کاذب غیر ثقة.
ثالثها:
عکس سابقه بأن يفيد التصديق الخبري و صحة المروي فقط، من دون أن يلازم التصديق المخبري و توثيق مشایخ هؤلاء. فيكون المراد هو الحكاية عن اضطلاع أصحاب الإجماع و تسلطهم علی قواعد الحديث و تمييزهم الصحيح من الأخبار عن غيره بسبب احتفاف جميع الأخبار المنقولة عنهم بقرائن خارجية مما يوجب الاطلاع عليها العلم بسلامة الخبر و إن كان راويه ضعيفا أو مجهولا[۱۰].
رابعها:
أن المستفاد من عبارة الكشي إنما هو مجرد جلالة شأنهم من فقاهتهم و تثبطهم و نحو ذلك، بلا دلالة علی وثاقة المشايخ أو أصحاب الإجماع و سائر الأقوال.
خامسها:
أن الإجماع قد انعقد علی وثاقتهم و فقاهتهم. و معنی ذلك أنهم لا يهتمون بالكذب في أخبارهم و روايتهم، و أين هذا من دعوی الإجماع علی الحكم بصحة جميع ما رووه عن المعصومينM و إن كانت الواسطة مجهولا أو ضعيفا[۱۱].
و أقرب هذه الاحتمالات بلحاظ عبارته:
«اجتمعت العصابة علی تصديق هؤلاء، وثاقة المذكورين لا مشايخهم. و بلحاظ عبارته الأخری: «أجمعت العصابة علی تصحيح ما يصح من هؤلاء» تصحيح المروي و المنقول عنهم، فلا دلالة فيهما علی وثاقة من يروون عنه، ولا أقل من إجمال الفقرتين و اختلاف الاحتمالات، فلا يمكننا التمسك بها لتوثيق مشايخ يونس بن عبد الرحمن لكي نعتمد علي مرسلته القصيرة في المقام.
و مما يرد علی القول الثاني بل الشاهد علی أن المراد من معقد الإجماع ليس توثيق المشايخ إيرادات:
الإيراد الأول:
هو اختلاف الأصحاب في مرسلات ابن أبي عمير و هو أحد أصحاب الإجماع بل أشهرهم و قد ورد في خصوصه أنه لا يرسل و لا يروي إلا عن ثقة، فاختلافهم فيه يدل علی الاختلاف في معقد الإجماع[۱۲].
و يندفع هذا الإيراد بأن في المرسلات لابن أبي عمير و غيره إشكال خاص بها نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالی، و هذا لا علاقة بينه و بين عبارة الكشي و البحث فيها بأنها تدل علی وثاقة المشايخ أم لا بلا فرق بين أن يكون ما يروونه أصحاب الإجماع من المراسيل أو المسانید. بل البحث عن إشكال المرسلات بحث عن المانع بعد إثبات ظهورها في الوثاقة. إذن فعدم العمل بالمرسلات يمكن أن يستند إلی عدم ظهور عبارة الكشي في الوثاقة و يمكن أن يستند إلی مانع في نفسها، فالإشكال فيها و عدم العمل بها أعم من ظهور العبارة في الوثاقة و عدمه، و الأعم لا يثبت الأخص، فلا يرد ما أورده بعض الأعلام۷[۱۳].
الإيراد الثاني:
ما ذكره بعض الأعلام بما ملخصه: أولا: فلأن اطلاع جميع العصابة علی جميع الأفراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة و مع الواسطة، بعيد في الغاية، بل غیر ممکن عادة.
الإيراد الثالث:
قوله: «وثانيا: فلأن مشايخ الجماعة و من يروون عنهم، لم يكن كلهم ثقاة، بل فيهم من كان كاذبا وضاعا ضعيفا لا يعتنی برواياته و بكتبه.
هذا ابن أبي عمير و هو أشهر الطائفة في هذه الخاصة يروي عن يونس بن ظبيان الذي قال النجاشي فيه ـ علی ما حكي عنه ـ : "ضعيف جدا، لا يلتفت إلی ما رواه، کل کتبه تخليط". و عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، الذي قال فيه ابن الغضائري: "ضعيف غالي متهافت". و قال النجاشي: "كذاب غالي يروي عن الغلاة، لا خير فيه و لا يعتد بروايته". و عن علي بن أبي حمزة البطائني، الذي قال فيه أبو الحسن علي بن الحسن بن فضال ـ علی المحكي ـ : "علي بن أبي حمزة كذاب متهم ملعون". و روی الکشي روايات في ذمه، منها: ما رواه بسنده عن يونس بن عبد الرحمن قال: "مات أبو الحسن و ليس من قوامه أحد إلا و عنده المال الكثير، و كان ذلك سبب وقفهم و جحودهم موته، و كان عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار". و عن أبي جميلة الذي ضعفه النجاشي، و قال ابن الغضائري و العلامة: "إنه ضعيف كذاب يصنع الحديث". و عن علي بن حديد الذي قال الشيخ في محكي الاستبصار: "إنه ضعيف جدا الا يعول علی ما ينفرد بنقله". و عن الحسين بن أحمد المري الذي ضعفه الشيخ و النجاشي و العلامة و غيرهم… إلی غير ذلك. و أما نقله عن غير المعتمد و المجهول و المهمل و من ضعفه المتأخرون ـ أمثال محمد بن میمون التميمي، و هاشم بن حیان ـ فكثير يظهر للمتتبع.
و أما صفوان بن يحيی، فقد روي عن علي بن أبي حمزة، و أبي جميلة المفضل بن صالح المتقدمين، و عن محمد بن سنان الذي ضعفوه، بل عن المفضل: "أنه من الكذابين المشهورين" و عن عبد الله بن خداش الذي قال فيه النجاشي: "ضعيف جدا"… إلی غير ذلك.
و أما البزنطي، فروی عن أبي جميلة المتقدم، و أحمد بن زياد الخزاز الضعيف ، و الحسن بن علي بن أبي حمزة الضعيف المطعون.
و أما الحسن بن محبوب، فروی عن أبي الجارود الضعيف جدا، الوارد فيه عن الصادقR: أنه كذاب مكذب کافر عليه لعنة الله.
و أما يونس بن عبد الرحمن، فقد روی عن صالح بن سهل و عمرو بن جميع و أبي جميلة و محمد بن سنان و محمد بن مصادف… إلی غير ذلك من الضعفاء.
و كذا حال غيرهم، كرواية ابن بكير و ابن مسکان عن محمد بن مصادف و جميل و أبان بن عثمان عن صالح بن الحكم النيلي… إلی غير ذلك.
و أما روايتهم عن المجاهیل و غير الموثقين فإلی ما شاء الله.
و مما ذكرنا يظهر الجواب عن دعوی شیخ الطائفة، قال في محكي "العدة": "إذا كان أحد الراويين مسندا و الآخر مرسلا، نظر في حال المرسل، فإن كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره علی خبره، و لأجل ذلك سوت الطائفة بين ما رواه محمد بن أبي عمير و صفوان بن یحیی و أحمد بن محمد بن أبي نصر و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون و لا يرسلون إلا عمن يوثق به و بين ما يسنده غيرهم، و لذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم"، انتهی.
فإن هذا الإجماع المدعی معلل، و نحن إذا وجدنا خلاف ما وجدوا أو ادعوا لا يمكننا التعويل علی إجماعهم، فضلا عن دعواه.
و ما قيل: من عدم منافاة خروج فرد أو فردين للظن بل الاطمئنان بالوثاقة.
مدفوع: بأن الخارج کثیر، سيما مع انضمام المجهول و المهمل إلی الضعيف، و معه كيف يمكن حصول الاطمئنان بذلك؟! و الظن لو حصل لا يغني من الحق شيئا.
هذا مع عدم إحراز اتكال أصحابنا علی دعوی إجماع الكشي و لا علی إجماع الشيخ».
و يلاحظ علی ما أورده أولا:
أن العصابة في زمن الشيخ۷ کانوا قريبي العهد بالرواة عن أصحاب الأئمةM خصوصا مع الوسائط، فاطلاعهم علی من روی عنه مثل ابن أبي عمير و نحوه ليس بصعب، بل ذکر کثیرا الراوي و المروي عنه في ترجمة الرجال في كتب القدماء و المتأخرين.
و علی ما أورده ثانيا
بنقضه برواية هؤلاء عن الضعفاء، فهو لا يوجب القدح في الشهادة، لأنه يخصص عموم الشهادة بما ظفرنا علی ضعفه، و ليس الخارج عن العموم كثيرا بحيث ينتهي إلی تخصيص الأكثر، فهذا ابن أبي عمير قد روي عن أكثر من مأة شخص و ما ذكره ممن ثبت ضعفه ستة نفر، و صفوان بن يحيي قد روي عن مأة و خمسين نفر تقريبا و ليس الثابت ضعفه بعد تخصيصا أكثر بالنسبة إليه، و هكذا غيرهما.
و أما روايتهم عن المجاهیل و غير الموثقين فلا يضر بعموم الشهادة، لأن عموم الشهادة يفيد توثيق من لم يثبت ضعفه، سواء كان مجهولا أو لم يرد في حقه توثيق، فإنه داخل تحت عموم الشهادة.
ومما ذكرنا يظهر الجواب عما أورده علی دعوی الشيخ۷ فلاحظ.
الإيراد الرابع:
إن القول بدلالة العبارة علی وثاقة المشايخ يستلزم تاليا فاسدا، و بيانه: أن الأصحاب اختلفوا في ملاك اعتبار الرواية فبعضهم علی كفاية الحسن، و هو كل إمامي لم يظهر منه فسق، و عدم اعتبار الوثاقة فيه، كما نسب هذا إلی القدماء و اختاره جمع من المتأخرين منهم العلامة۷ و بعض آخر علی كفاية كون الرواية معمولا بها عند الأصحاب، أو موافقة مضمونها للقرآن الكريم أو للقواعد و هكذا، و جمع كثير منهم علی اعتبار الموثق فقط و لا يعتبرون غيره، فلا يثبت كون منشأ عمل هؤلاء (أي أصحاب الإجماع) هو أنه لا يروون و لا يرسلون إلا عن ثقة[۱۴].
و فيه:
أنه مخالف لأصالة الموضوعية في كلام المتكلم، حيث إنه تارة يعبر بأنه لا يورد في كتابه إلا ما هو حجة بينه و بين ربه و لا نعلم مبناه في حجية الخبر، فلا يمكن استفادة التوثيق منه لاحتمال كون الرواية محفوفة عنده بالقرائن، أو للوثوق الشخصي بها، أو من حيث علو مضمونها، أو من جهة مطابقتها لعموم الكتاب، و نحو ذلك، و أخری يعبر بأنه لا يروي إلا عن ثقة، فهذا يدل علی شهادته بوثاقة من روی عنه، و شهادة الشيخ۷ من قبيل الثاني.
الإيراد الخامس:
سلمنا ظهورها في وثاقة المشايخ إلا أنها تختص بالمذكور منهم المجهول حاله في علم الرجال و أما غير المذكور المعبر عنه بالمرسل فلا تفيده هذه الشهادة لابتلائها بنفس الإشكال المذكور لمرسلات ابن أبي عمير من وجود الضعاف في من يروونه عنه، فتخص الشهادة العام في عبارة الكشی بالمعلوم عندنا ضعفه و يخرج من عرفنا ضعفه من تحتها، ثم في مورد الشك (أي المرسلات) نحتمل كون المرسل أحدا من أولئك الضعاف، فلا يجوز التمسك بها لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص[۱۵].
و قد يجاب عن الإيراد
أولا:
بأنا نستصحب بالعدم الأزلي عدم كونه من الضعاف فيدخل تحت عموم الشهادة.
وثانيا:
إنما هذا إذا كانت أفراد العام تمثل الرواة، فإنه مع العلم بسقوط حجية العام بالنسبة إلی بعض الرواة تصبح الشبهة في المراسيل مصداقية، بخلاف ما إذا افترضنا أن أفراد العام تمثل الروايات، بحيث كانت كل رواية فردا من العام المشهود بوثاقة طريقه، فإن هذا الافتراض يجعل الشك في وثاقة الواسطة في المرسلة، شكا في تخصیص زائد.
و يرد علی الجواب الأول
أولا:
أن الاستصحاب العدم الأزلي محل بحث و لا يفيد لمنکره ولو هو جار علی مسلك التحقيق.
و ثانيا:
أنه علی فرض تسليم جریان استصحاب العدم الأزلي فهو استصحاب في الذوات و هو غير جار علی مسلك التحقيق، كما لا يجري في مثال اللحم المطروح المشكوك كونه کلبا للحكم بعدم كونه كلبا.
و يرد علی الجواب الثاني:
أن الثقة وصف للراوي لا للرواية و شهادة الشيخ۷ علی وثاقة المروي عنه لهؤلاء، لا علی كون رواياتهم موثوق بها كما لا يخفی.
و لكن الحق
هو التأمل في الإشكال الخامس في خصوص یونس بن عبد الرحمن بأن مشايخه حسب تتبعنا ۷۶ شخصا و هم بين ثقة و مجهول و ما وجدنا بينهم ضعيفا حتی يخصص به عموم الشهادة. نعم واحد منهم عمرو بن شمر و قد ضعفه النجاشي[۱۶] وابن الغضائري[۱۷] والثاني لا نعتمد علی تضعیفاته و لكن الأول معتبر عندنا، إلا أن عمرو بن شمر من رجال تفسیر القمي۸[۱۸] والمستشكل (أي السيد الخوئي۷) يعتمد عليه و حينئذ يقع التعارض بينه و بين تضعیف النجاشي. والنتيجة: عدم الدليل لإثبات ضعفه و سلامة العام من التخصيص في خصوص یونس بن عبد الرحمن عند من يعتبر رجال التفسير، و هو قوي و إن كنا نحتاط فيهم عملا.
نعم، في المقام خصوصیات توجب عدم كون المروي عنه في مرسلة يونس القصيرة عمرو بن شمر، منها: أن يونس في المرسلة المذكورة يرسل عمن يروي عن الإمام الصادقR بلا واسطة مع أن مجموع رواياته عن عمرو بن شمر في المجاميع الروائية خمسة[۱۹]، واحدة منها يرويها عن الإمام الصادقR مع الواسطة و أربعة منها يرويها عن الأمام الباقرR و هي أيضا مع الواسطة، و هذا يوجب الوثوق و الاطمئنان الشخصي (لولا النوعي) بأن المرسل عنه في الرواية المذكورة ـ الذي يروي عن الإمام الصادقR بلا واسطة ـ ليس عمرو بن شمر.
و منها: أن مجموع روایات عمرو بن شمر في المجاميع كلها ۱۶۷ رواية[۲۰] ستة أو سبعة منها فقط يرويها عن الإمام الصادقR بلا واسطة، و هذه النسبة القليلة أيضا يقوي احتمال عدم کون عمرو هو المرسل عنه في مرسلة يونس.
و غيرهما من الوجوه کاستبعاد من يروي عنه مثل يونس ضعيفا و أن احتماله ضعيف، و أن عدم ذكره لاسمه يدل علی كونه معتمدا عنده، و غير ذلك من الوجوه الظنية التي إن أوجبت لفقيه وثوقا شخصيا علی حساب الاحتمالات فهو و إلا فهي ليست مما يندفع به الاحتمال الآخر بحجة شرعية، فيبقی احتمال كون المرسل عنه عمرو بن شمر الضعيف علی حاله.
و الحاصل: عدم الدافع لإشكال الإرسال في مرسلة يونس القصيرة بحسب البحث الفني _ و إن كان المورد جديرا للاحتياط ـ و ذلك لما رأيت من وجوه التضعيف للاستدلال بإجماع الكشي۸.
کتاب الطهارة ج۲ ص۱۲۵ لسماحة الاستاد الشیخ محسن الوحید الخراسانی
۱ ـ رجال الکشی ۲۳۸ تحت الرقم ۴۳۱
۲ ـ رجال کشی ۳۷۵ تحت الرقم ۷۰۵
۳ ـ رجال کشی ۵۵۶ تحت الرقم ۱۰۵۰
۴ ـ (تکملة الهامش فی آخر الکتاب رقم ۱۰)
۵ ـ معجم رجال الحدیث ۶۲:۱
۶ ـ نسبه إليهم الشيخ أبو علي۸. منتهی المقال ۱ :۵۰ و انظر أيضا: الخلاصة: ۲۷۷، و مشرق الشمسين: ۳۲، و الرواشح السماوية: ۴۷.
۷ ـ وسائل الشيعة ۲۲۴:۳۰.
۸ ـ هدایة الامة ۸ : ۵۷۳
۹ ـ ذهب إليه الفيض۸ له في الوافي ۲۷:۱، و حجة الاسلام الشفتي بالدلالة الالتزامية في رسائله الرجالية: ۷.
۱۰ ـ راجع استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ۱ :۶۰، و خاتمة المستدرك ۷ :۲۱. و انظر فيه معنی القرائن الداخلية و الخارجية (ص ۲۲ و ۵۰- ۵۱).
۱۱ ـ ذهب إليه السيد الخوئي۸ في معجم رجال الحدیث ۵۹:۱. (تكملة الهامش في آخر الكتاب رقم ۱۱).
۱۲ ـ استشكل به الشيخ محمد العاملي۸ في استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار۱ : ۱۲. و تبعه السيد الحكيم۸ في مستمسك العروة ۳ : ۱۹۶.
۱۳ ـ و هما الشیخ محمد العاملی۷ و السید الحکیم۷
۱۴ ـ راجع: معجم رجال الحدیث ۱ :۶۳
۱۵ ـ بيان و توضيح لإشكال السيد الخوئي۸ حيث قال: «و لا ندري أنه أي شخص و لعله من الضعاف، فتسقط الرواية بذلك عن الاعتبار». موسوعة الإمام الخوئی ۷: ۱۲۶.
۱۶ ـ قال النجاشي: «عمرو بن شمر أبو عبد الله الجعفي، عربي، روي عن أبي عبد اللهR، ضعیف جدا، زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه، و الأمر ملتبس» رجال النجاشي: ۲۸۷، رقم ۷۶۵.
۱۷ ـ قال: «عمرو بن شمر، أبو عبد الله، الجعفي. روی عن أبي عبد اللهR و جابر. ضعیف». رجال ابن الغضائري کتاب الضعفاء: ۷۴.
۱۸ ـ روی عنه إبراهيم بن هاشم في تفسير القمي: سورة يوسف، في تفسير قوله تعالی: يا بني لا تقصص رؤياك علی إخوتك…
۱۹ ـ وهي: ۱) وسائل الشيعة ۲۹۷:۶: يونس عن عمرو بن شمر عن حريز عن زرارة عن أبي عبد اللهR ۲) وسائل الشيعة ۱۷۳:۱۲: يونس عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرR ۳) وسائل الشيعة ۲۰:۱۵: يونس عن عمرو بن شمر عن جابر ۴) وسائل الشيعة ۹۸:۲ : يونس عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرR ۵) وسائل الشيعة ۱۶۸:۲۷: يونس عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرR.
۲۰ ـ معجم رجال الحدیث ۱۴ :۱۱۸.