الكلام في تضعيفات إبن الغضائري
وأجيب عنه بعدم اعتبار تضعيفات هذا الكتاب، لوجوه:
الوجه الأول: عدم ثبوت مكانة صاحب الكتاب العلمية
ومدى خبرته في علم الرجال، فغاية ما يمكن إثباته من رواية النجاشي بلا واسطة عن أحمد بن الحسين الغضائري وترضّيه عنه – هو والشيخ الطوسي قدس سره – هو حسنه أو وثاقته، ولم يصل إلينا ما يدلّ على تبحره في هذا الفنّ، ولا يخفى أنّ توثيقات وتضعيفات أهل زمانه ليست حسّية خالصة حتى يُكتفى بوثاقة الموثَّق والجارح.
ولعلّ المراد من قول بعض الأعلام قدس سره بأنّ الجارح مجهول الحال[۱] ليس من حيثية وثاقة إبن الغضائري بل من حيثية مكانته العلمية – كما أشرنا – لأنّ الظاهر أنّ أحمد بن الغضائري كان من الأصحاب المعتمد عليهم في الطائفة، فتشكيك البعض بعدالته قد يكون في غير محلّه[۲].
الوجه الثاني: إفراطه في جانب التضعيف وتسرعه في الطعن بهم[۳]
فهو يطعن كثيراً في كثير من الأكابر والثقات والأجلاء، بل جرح أكثر الأصحاب، ولم يسلَم من قدحه جليلٌ من الأجلّة[۴]، حتى قال السيد بحر العلوم قدس سره بأنّه: (بلغَ الغاية في تضعيف الروايات والطعن في الرواة، حتى قيل: إنّ السالم من رجال الحديث من سلم منه، وإنّ الإعتماد على كتابه في الجرح طرحٌ لما سواه من الكتب… فإنّه قد ضعّف فيه كثيراً من أجلاء الأصحاب المعروفين بالتوثيق…. من أعاظم الرواة وأصحاب الحديث، واعتمد في الطعن عليهم – غالباً ـ أموراً لا توجب قدحاً فيهم)[۵].
والنتيجة: فإنّ القيمة العلمية لهكذا تضعيفات تكون متدنيّة، ولا أثر لها في مقام البحث عن أحد أركان حجيّة الأخبار الواردة عن أهل بيت العصمة علیهم السلام.
خصوصاً وأن أحد أهمّ معاييره في الطعن بالرجال هو رميه إيّاهم بالغلو بسبب أنّهم يرون مقامات للأئمة علیهم السلام و لا يعتقد هو بثبوتها لهم[۶]، مع أنّها تُعتبر من المسلمات في زماننا هذا.
الوجه الثالث: عدم ثبوت اتصال الكتاب بمؤلفه
هذا الإتصال الذي يضمن لنا أمرين:
الأمر الأول: ثبوت صدور محتوى الكتاب عن المؤلّف، فيكتسب قيمةً واعتباراً بمقدار قدر واعتبار المتكلّم.
الأمر الثاني: يضمن لنا عدم الدسّ والتغيير والوضع في الكتاب، لأنّه لو ثبت تحقّق التدليس في الكتاب بنحو الإجمال، فسيسقط كلُّ الكتاب عن الإعتبار.
وهذا الكتاب المبحوث عنه لم يثبت كون الموجود في زماننا هو الذي ألّفه ابن الغضائري قدس سره نفسه دون طروّ التغيير والعبث فيه.
[فی اثبات عدم كون الموجود في زماننا هو الذي ألّفه ابن الغضائري]
وذلك من جهات:
أولاً: شهادة الشيخ قدس سره بإتلاف كتابي إبن الغضائري
من قِبَل بعض ورثته بعد وفاته وأنّه لم ينسخه أحد من الأصحاب،[۷] والنجاشي قدس سره الذي نقل عنه بعض الكلمات مشافهة لم ينقل لنا وجود الكتاب[۸]، مع التزامه بتدوين مصنفات الشيعة كما صرح في مقدمة كتابه[۹] وقد صرّح بعض أكابر المحقّقين في علم الرجال بعدم وجود الكتاب حتى في زمن النجاشي والشيخ (أعلى الله مقامهما)، وذكر شواهد على أن الموجود عند السيد ابن طاووس قدس سره ليس نفس الكتاب[۱۰].
ثانياً: عدم وجود ذِكْرٍ للكتاب عند الأصحاب منذ وفاة إبن الغضائري حتى عام ٦٦٤هـ[۱۱]
أي اختفاء الكتاب ما يقرب على القَرنين، ثُمّ ظهر فجأةً على يد السيد أحمد بن طاووس قدس سره، الذي صرّح بكونه وجادةً – أي لا يوجد طريق له إليه[۱۲] – فجمَعَ كتب الرجال الخمسة في كتاب واحدٍ سمّاه «حل الإشكال».
ثالثاً: اختفاء الكتاب مرةً أخرى بعد زمن العلامة قدس سره
– الذي صرّح أحياناً بنقله عن كتاب إبن الغضائري – إلى زمن الشهيد الثاني، حيثُ صرّح بوجود نسخة كتاب «حلّ الإشكال» بخطّ السيد إبن طاووس قدس سره عنده[۱۳]، وصرّح ولده صاحب المعالم قدس سره بوصوله إليه وقد أشرف على التلف، فيكون الكتاب قد اختفى ثلاثة قرون دون ذكرٍ له من قِبل أحد الفقهاء.
وأوّل مرة يُنسَخ كتاب إبن الغضائري من كتاب «حلّ الإشكال» كان قبل عام ١٠١٦ هـ[۱۴]، من قِبَل المولى عبد الله التستري قدس سره المتوفّى في عام ١٠٢١ هـ[۱۵]، وقد صرّح بأنّه لم يسمع بوجود هذا الكتاب في زمانه[۱۶]، وأنه لم يعثر سوى على نسخته الأصلية التي كانت بخط السيد قدس سره، موافقاً لكلام الشيخ حسن بن الشهيد، الذي يظهر من كلامه أيضاً عدم وجود كتاب الغضائري في زمانه[۱۷].
وبعيد جداً احتمال توهّم المولى التستري قدس سره فى هذه الدعوى وهو خرّيت هذه الصناعة[۱۸]، وقد عبّر عنه المجلسي الأول قدس سره بأنّه الشيخ الأعلم والشيخ الأعظم، وشيخ العلماء، وأنّه أعظم العلماء الراسخين[۱۹]، وشيخ الطائفة الإمامية في عصره، وأنّ أكثر فوائد كتاب الروضة من إفاداته، وأنه حقق الأخبار والرجال والأصول بما لا مزيد عليه، وأنّ انتشار الفقه والحديث كان منه[۲۰]، كما أنّ السيد التفريشي قدس سره صاحب نقد الرجال صرّح بأنّه أروع أهل زمانه، وأن أكثر فوائد كتابه من تحقيقاته قدس سره[۲۱].
كما صرّح بعض المحققين قدس سره بأنه لا يُعلم بما جرى على الكتاب بعد السيد إبن طاووس قدس سره إلى زمن التستري قدس سره[۲۲]، مما يُفنّد دعوى انتشار الكتاب بین الفقهاء بعد زمن السيد ابن طاووس قدس سره.
نعم، تصريح الشهيد الثاني قدس سره بوجود طريق له إلى كتاب «حلّ الإشكال» للسيد إبن طاووس قدس سره[۲۳] يُثبت عدم كونه وجادة عند الشهيد، ولا يُثبت شهرة الكتاب بين الفقهاء.
إن قلت: إن اعتماد الفقهاء كثيراً على جرح وتعديل إبن الغضائري في كتبهم الفقهية من بعد السيد ابن طاووس الحلّي قدس سره إلى زمن الشهيد الثاني يُنافي القول بعدم معروفية الكتاب في تلك الحقبة.
قلتُ: ينبغي أن نلحظ الكتب التي ذكرت آراء إبن الغضائري في عصرين:
العصر الأول: الفقهاء القريبين بُعَيد نَسْخ السيد إبن طاووس للكتاب
من تلامذته ومعاصريه – كالعلامة وإبن داود والفاضل الآبي طيَّب الله مراقدهم – فهؤلاء قد أخذوا منه آراء إبن الغضائري أخذاً مباشراً، لشدّة تأثرهم به واعتمادهم عليه، قال ابن داود قدس سره في معرض حديثه عن السيد أحمد بن طاووس قدس سره: (ربّاني وعلَّمني وأحسنَ إليّ، وأكثر فوائد هذا الكتاب ونُكَته من إشاراته وتحقيقاته جزاه الله عني أفضل جزاء المحسنين) [۲۴].
والفاضل الآبي قدس سره فقد تأثر بالسيد إبن طاووس قدس سره تأثّراً كبيراً، حتى أنّهم ذكروا أنّه كان يُكثر النقل من السيّد أحمد بن طاووس في كتابه كشف الرموز في كثير من المسائل[۲۵].
أما العلامة الحلي قدس سره، فهو وإن لم يصرّح بأنّه أخذ كلمات إبن الغضائري من شيخه في الفقه والرجال السيد أحمد بن طاووس قدس سره – سماعاً أو من كتاب «حل الإشكال» – ولكنّ الثابت المشهور عنه أنّه تبع السيد المعظّم في آراءه الرجالية، ومما لا خلاف فيه أنّ المنهج الرباعي في تقسيم الروايات قد أخذه من السيد إبن طاووس قدس سره[۲۶].
وذِكر العلامة – في مواضعٍ من الخلاصة[۲۷] ـ اختلاف رأي إبن الغضائري في كتابَيه لا يلازم رؤيته الكتابين بنفسه، بل نقْله ذلك أعمّ من سماعه من السيد ومن رؤيته بنفسه كما لا يخفى[۲۸].
وخيرُ شاهدٍ على كون العلامة وتقي الدين بن داود لا ينقلان آراء إبن الغضائري إلا من طريق السيد ابن طاووس قدس سره هو عدم ذكرهما طريقاً إلى الكتاب مع شدّة اهتمامهما بذكر الأسانيد إلى الكتب المتقدمة في الفقه والحديث والرجال – ككتب الشيخ الطوسي والنجاشي والصدوق والكشّي[۲۹] ۔ وليس ذلك إلا لعدم وجود طريق متصلٍ إلى الكتاب الذي صرّح السيد إبن طاووس قدس سره بأنّه لا طريق له إليه كما مر سابقاً.
فلا يبقى وجهٌ لاعتماد العلامة وصاحبَيه (رفع الله تعالى درجاتهم) على ما نُقِل لهم من كلمات إبن الغضائري قدس سره إلا من باب الإطمئنان الشخصي والإجتهاد والحدس الذي لا يكون حجّةً على مجتهدٍ آخر.
العصر الثاني: الفقهاء المتأخرون عن زمن العلامة قدس سره
فبحسب التتبّع لم نعثر على من ذكر كلام إبن الغضائري قدس سره في وصف الرجال سوى ثلاثة من الأعلام، وهم الشهيد الأول والمقداد السيّوري والصيمري (قدّس الله أسرارهم) [۳۰]، ولم يظهر من كلماتهم ما يدلّ على نقلهم من الكتاب نفسه، بل نقلوا رأي إبن الغضائري قدس سره وهو أعمّ من كونه من الكتاب أو من المشايخ فقد اعتمدوا على نقل السابقين لهم لا سيما كتب العلامة قدس سره.
وعلى أساس ما مرّ لا يمكن إثبات كون الكتاب الموجود بين أيدينا هو من تأليف الشيخ إبن الغضائري قدس سره حتى يكون لتوثيقه أو جرحه أثرٌ في الرجال.
في ذكر الوجوه التي يمكن أن تثبت صحة الطريق إلى الكتاب
ولكن يبقى في المقام أمران لا بدّ من ذكرهما ثم مناقشتهما لإصدار الحكم النهائي على نسبة الكتاب:
الأمر الأول تصريح الشهيد الثاني قدس سره بوجود طريق له إلى الكتاب
قال قدس سره بعد أن ذكر طُرقه المتعددة إلى الشيخ الطوسي قدس سره: (وعن الشيخ أبي جعفر مصنّفاتِ ومرويّاتِ السيد المرتضى عَلَم الهُدى علي بن الحسـینِ الموسوي… ومصنّفات ومرويّات الشيخ أبي عبد الله الحسين بن عُبَيد الله الغضائري التي من جملتها كتاب الرجال…)[۳۱].
وقال بعد ذكر طرقه إلى الشيخ النجاشي: (وعن النجاشي مصنّفاتِ الشيخ أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري صاحب كتاب الرجال وغيره..)[۳۲].
فالشيخ الشهيد قدس سره يصرّح بأنّ له طريقين إلى الغضائري صاحب كتاب الرجال، وأنّ كتاب الرجال من جملة المؤلّفات الثابتة عنده بهذه الطرق، فيثبت وجود الكتاب إلى زمن الشهيد الثاني بطرق معتبرة، ولا شكّ في اتحاد ذلك الكتاب مع الموجود في زماننا لأنّها محفوظة في المكتبات كما لا يخفى.
مناقشة ما أفاده الشهيد الثاني قدس سره
المناقشة: هذا الكلام لا يمكن التسليم به لأمرين:
الأمر الأول: توقف كلامه على كون صاحب الكتاب هو الحسين
فكلام الشهيد قدس سره متوقّف على كون صاحب كتاب الرجال هو الحسين بن أبي عبد الله الغضائري قدس سره وليس إبنه أحمد، وحكى الميرزا عبد الله الأفندي قدس سره عن والده أنّه رأى بخطّ الشهيد الثاني قدس سره نسبة كتاب الرجال إلى الحسين بن عبیدالله قدس سره[۳۳].
وهذا مخالف للواقع بالإتفاق، فلم يصدر من أحدٍ كون الأب له كتاب في الرجال[۳۴]، بل كلّ من ذكره صرّح بأن مؤلفه هو أحمد بن الحسين الغضائري.
وحتى السيد ابن طاووس قدس سره الذي دوّن كتاب إبن الغضائري في مجموعته «حلّ الإشكال» صرّح بأنّه لأحمد كما في التحرير الطاووسي الذي نسخه ولد الشهيد الثاني قدس سره الشيخ حسن العاملي قدس سره[۳۵]، وكذلك العلامة وإبن داود والتستري[۳۶] وغيرهم (أعلى الله مقامهم).
وقد تعرّض حفيد الشهيد قدس سره مراراً لجدّه فى هذه النسبة، كقوله: (فما ذكره جدّي من أنّ إبن الغضائري هو الحسين بن عبيد الله لا وجه له)[۳۷].
وذكر مؤيّداً لكلامه[۳۸] بأنّ العلامة قدس سره نقل عن إبن الغضائري قوله: (حدثني أبي أنه كان في مذهبه ارتفاع)[۳۹]، مع أنّه لا يُعرف عن والد الحسين أنّه من أهل العلم والرواية، فيُعلم أن إبن الغضائري قدس سره هو أحمد الذي والده الحسين الغضائري قدس سره وهو من كبار علماء الطائفة.
ولعلّ منشأ تحقق الإشتباه والخَلط بين الرجُلَين هو تصوّر اشتراكهما في اللقب، وأنّ المشهور – بناءاً على ذلك – حملوا لقب الأب على الإبن – خطاً – فنسبوا الكتاب إليه بدلاً عن والده.
دفع شبهة الاشتراك بين الغضائري وولده
وهو مندفع بلحاظ الفرق بين اللقب والكنية، فالغضائري لقب الأب «الحسين» نسبةً إلى الغضائر[۴۰]، وبعد معروفية الحسين وشهرته في الطائفة نُسِبَ إليه ولده أحمد رحمه الله بأن أطلق عليه «إبن الغضائري».
ومنه يُعلم عدم صحة إطلاق إبن الغضائري على الأب، لعدم معروفية والد الحُسين، وإن صحّ نسبته إلى الغضائر أيضاً، كما لو أطلق لفظ «إبن النائيني»، أو «إبن الخوئي فلا ينصرف الذهن مطلقـا إلـى نـفـس المحقق النائيني أو السيد الخوئي مع صدق الإنطباق حقيقةً، بل ينصرف إلى ولدَي العلمَين قطعاً، وكذلك هنا.
الأمر الثاني: لزوم تكذيب شهادة إبن طاووس قدس سره
بيان ذلك: أنّ السيد أحمد بن طاووس قدس سره شهد بعدم وجود طريق له إلى الكتاب – كما أسلفنا – بينما طريق الشهيد السعيد قدس سره إلى الكتاب يتضمن وجود طريق للسيد ابن طاووس قدس سره إلى الكتاب، لأنّه ذكر طريقه إلى الشيخ الطوسي قدس سره وفي الطريق السيد إبن طاووس[۴۱]، ثم قال: (وعن الشيخ أبي جعفر….. ومصنّفات ومرويّات الشيخ أبي عبد الله الحسين بن عُبَيد الله الغضائري التي من جملتها كتاب الرجال)[۴۲].
وكلام السيد قدس سره مقدّم هنا دون أدنى تأمل، لأنّه شهادة وجدانية وإخبار الشهيد قدس سره بوجود الطريق شهادة ظنيّة.
ولا يخفى عدم لزوم تكذيب إخبار الشهيد قدس سره بعد أن أثبتنا اختلاف متعلّق الشهادتين، فالسيد ابن طاووس قدس سره له طريق إلى الحسين الغضائري قدس سره وهو ليس صاحب الكتاب الذي أخبر الشهيد الثاني قدس سره عن وجود الطريق إليه.
فتلخّص عدم جدوى ما أفاده الشهيد زين الدين قدس سره لإثبات الكتاب.
الأمر الثاني: تصريح السيد المحقق شهاب الدين المرعشي قدس سره
قال قدس سره في خاتمة نسخة كتاب إبن الغضائري: (واعلم أنّي أروي هذه النسخة الشريفة عن والدي المبرور العلامة الزاهد شمس الدين السيّد محمود بن علي سيّد الأطبّاء الحسيني التبريزي، عن شيخه ثقة الإسلام النوري بطرقه المعروفة المودعة في المستدرك ومواقع النجوم وغيرهما المنتهية إلى المتقدّمين، منهم صاحب هذه الرسالة شيخنا الغَضائريّ قدّس سرّه الشريف) [۴۳].
بيان السهو في كلام السيد المرعشي قدس سره
وجوابه: أنّ العلامة النوري قدس سره لم يذكر طريقاً إلى كتاب إبن الغضائري في طرقه، ففي الخاتمة ذكر طُرقَه المتعددة إلى المتقدّمين عدا كتاب إبن الغضائري، فقد نصَّ على أسماء كتب المتقدّمين – في الفنون المختلفة – التي له إليها الطرق المتعددة والتي اعتمد عليها في مستدركه، فذكر ما يربو على إثنين وسبعين كتاباً ليس منها كتاب إبن الغضائري[۴۴].
أما في مشجّرة مواقع النجوم المطبوعة بأمر السيد المرعشي قدس سره نفسه و بتقديمه، فليس لكتاب إبن الغضائري أثرٌ، بل حتّى في مشجّرة السيد الطباطبائي التي ألحقت بمشجرة العلامة النوري له وبأسانيد السيد المرعشي نفسه لم نجد لكتاب إبن الغضائري أثراً.[۴۵]
نعم، الطرق إلى الحسين الغضائري قدس سره موجودة في المشجّرتَين، ولكن السيد المرعشي نفسه لم ينسب الكتاب إلى الأب، بل إلى ولده أحمد قدس سره.
ولعلّ منشأ هذا السهو من قلمه الشريف هو نقل العلامة النوري قدس سره كلام صاحب المعالم قدس سره عن العلامة قدس سره حيث قال:(قال النقّاد الخبير صاحب المعالم: ويروي – يعني العلامة – عن السيد السعيد جمال الدين أحمد بن طاووس، عن الشيخ السعيد أبي علي الحسين بن خشرم، جميع كتب أصحابنا السالفين، ورواياتهم وإجازاتهم ومصنفاتهم) [۴۶].
فصيغة العموم التي استعملها في العبارة «جميع كتب أصحابنا السالفين» يُستفاد منها إرادة شمولها لكتاب إبن الغضائري ظاهراً، ولكنه ليس مقصوداً من التعميم قطعاً، بقرينة تصريح صاحب المعالم قدس سره نفسه في التحرير الطاووسي بعدم وجود طريق للسيد ابن طاووس إلى كتاب إبن الغضائري قدس سره[۴۷] كما مر.
وخلاصة القول في كتاب الضعفاء لابن الغضائري
عدم ثبوت اعتبار نسبة الكتاب إلى الشيخ أحمد بن الغضائري قدس سره لعدم ثبوت حجّية الطريق إليه، فلا عبرة بتضعيفاته – ولا توثيقاته – وإن لم نمنع نسبة الكتاب إليه بالجملة، فكون جملةً من الكتاب يتضمّن منهجاً علمياً رصيناً ينمّ عن كاتب بارعٍ متضلّع في فنّ الرجال مما لا ريب فيه، ولكن لا يلازم ذلك حجية الكتاب، بل هو كاشف عن كون الكتاب ليس موضوعاً بجملته، ولا ينفي احتمال الوضع والتدليس.
ولذلك يقوى ما عن بعض المحققين من كون الكتاب قد دُسّ فيه من مخالفي الشيعة لبثّ الوقيعة والإختلاف بينهم، قال صاحب الذريعة قدس سره: (فالظاهر أنّ المؤلّف لهذا الكتاب كان من المعاندين لكبراء الشيعة، وكان يريد الوقيعة فيهم بكل حيلة ووجه، فألف هذا الكتاب وأدرج فيه بعض مقالات إبن الغضائري تمويهاً ليُقبل عنه جميع ما أراد إثباته من الوقايع والقبائح…)[۴۸].
فما قيل في الإعتراض على ما ذُكر من (أنّ الناظر في كتابه، والمطّلع على منهجه العلميّ الّذي اتَّبعه في الكتاب… يجد أنّ الرجل من أئمّة الفنّ وحذّاق النقّاد في علم الرجال، وأنّه قد سار على منهج علميّ رصين….. فهو من أرصن كتب الرجال في الدقّة والقوّة في الترتيب والتعبير والأداء، والإلتزام بمصطلح علماء الفنّ) [۴۹] – مدفوع:
بأنّ الكلام في التدليس والوضع في بعض المواضع من الكتاب، والمدلّس من المخالفين لا يكون من عوام الناس حتى يُكشف التدليس، بل يكون من أهل الفن والإطلاع، فلا يُنافيه ما ذُكر من الإعتراض.
والخلاصة: أنّ الوجه الأول الذي ذُكر في تضعيف محمد بن أحمد القلانسي – المستند إلى كتاب إبن الغضائري – مردود، فلا يمنع من ثبوت التوثيق في حقّه.
(کتاب الحج ج۲۴ ص ۳۷۴ الی ۳۸۸)
۱ ـ روضة المتقين: ١٠: ٤٧٥ / استقصاء الإعتبار: ۱: ۸۸ / الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ١٠: ۸۹ .
۲ ـ كالحر العاملي قدس سره في الإثنا عشرية : ۱۲۹ / والوحيد البهبهاني قدس سره في حاشيته على مجمع الفائدة والبرهان: ٥٩٧.
۳ ـ انظر : كتاب الخمس ( الميرداماد) ۱۸۱ کتاب الخمس (مرتضى الحائري) : ٧٥٩.
۴ ـ أنظر: هداية الأمة : ۸: ٥٥٧/ حاشية مجمع الفائدة والبرهان الوحيد البهبهاني): ٥: ٥٧٩ / وص٧٠١ / الرسائل الفقهية ( الوحيد البهبهاني): ۷۲/ غنائم الأيام ٥: ۲۷۱ / كتاب الطهارة الشيخ الأنصاري ١ ٣٥٦ / وج ٥ : ١٨٠ / روضة المتقين: ١: ١٦٧ / إفاضة القدير في أحكام العصير (شيخ الشريعة): ٢٦.
۵ ـ الفوائد الرجالية (السيد بحر العلوم) ٢ ٣٦٩.
۶ ـ أنظر: شُعَب المقال في درجات الرجال (أبو القاسم النراقي): ۱٥۸/ الكُنى :والألقاب ٢ ٤٢٨.
۷ ـ أنظر الفهرست ۳۲ / وكذلك الفوائد الرجالية (السيد بحر العلوم): ٤٩:٢.
۸ ـ أنظر: معجم رجال الحديث: ١: ٩٥.
۹ ـ أنظر: رجال النجاشي: المقدمة ص۳.
۱۰ ـ أنظر: معجم رجال الحديث : ١ : ٩٥/ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ۱۰: ۸۸ / بحوث في علم الرجال ـ تقريرات بحث السيد علي الفاني – : ۲۹ – ۳۲.
۱۱ ـ قال في الذريعة : ۱۰ : ۸۸:(لم نجد منه أثراً قبل عصر إبن طاووس.)
۱۲ ـ أنظر: التحرير الطاووسي: ٥ / والذريعة إلى تصانيف الشيعة: ١٠ : ٨١.
۱۳ ـ أنظر رسائل الشهيد الثاني: ۲: ۱۲۰ في إجازته لوالد الشيخ البهائي.
۱۴ ـ أنظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ۱۰: ۸۹ ، حيث أرّخ القهبائي ديباجته على الكتاب في ذلك العام بحسب نقل العلامة الطهراني قدس سره.
۱۵ ـ أنظر: كتاب منتهى المقال: ۱: ۲۷ / الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ۱۰: ۸۹.
۱۶ ـ كما نقله عنه تلميذه القهبائي في مجمع الرجال: ١: ١١.
۱۷ ـ في مقدمة التحرير الطاووسي: ٣ و٤.
۱۸ ـ أنظر: خاتمة المستدرك: ۱ : ۱۸.
۱۹ ـ أنظر لوامع صاحبقراني: ١: ٦٩ / وبحار الأنوار: ۱۰۷: ٥۱ / وص ٦٣.
۲۰ ـ أنظر روضة المتقين: ١٤: ۳۸۲.
۲۱ ـ أنظر نقد الرجال :٣ ٩٩: رقم ۳۰۵۲.
۲۲ ـ المحقق الآقا بزرك الطهراني في الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ١٠: ٨٩.
۲۳ ـ رسائل الشهيد الثاني: ۲: ۱۲۰ في إجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي.
۲۴ ـ رجال ابن داود الحلّي: ٤٦ رقم ١٤٠.
۲۵ ـ أنظر: الفوائد الرجالية (للسيد) بحر العلوم : ۲: ۱۷۹ / الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ١٨: ٣٥.
۲۶ ـ أنظر: روضات الجنات: ١: ٦٦ / وسائل الشيعة: ٢٥١:٣٠.
۲۷ ـ خلاصة الأقوال ۲۲۵ (سليمان النخعي) / وص ٢٤١ (عمر بن ثابت) / وص٢٥٦(محمد بن مصادق).
۲۸ ـ أنظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ۱۰: ۸۹.
۲۹ ـ أنظر: خلاصة الأقوال الفائدة العاشرة: ٤٤٤ – ٤٤٥ / رجال ابن داود: المقدمة: ۲٦ – ۲۸.
۳۰ ـ أنظر: غاية المراد: ٤: ٣٦٠ / التنقيح الرائع: ١: ٢١٨ و ٣٨٥/ غاية المرام (الصيمري): ٤: ٤٥٦.
۳۱ ـ رسائل الشهيد الثاني: ٢: ١٢٦ في إجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي.
۳۲ ـ المصدر نفسه: ۱۲۸.
۳۳ ـ تعليقة أمل الآمل (الميرزا عبد الله الأفندي الاصفهاني ت ١١٣٠ هـ): ٨٨.
۳۴ ـ أنظر: رجال النجاشي: ٦٩ : رقم ١٦٦ / رجال الشيخ: ٤٢٥: ٦١١٧ / لسان الميزان (إبن حجر): ۲: ۲۹۷: رقم ۱۲۳۰ حيث نقل أسماء كتبه عن فهرست الشيخ الطوسي ظاهراً.
۳۵ ـ أنظر: التحرير الطاووسي ٥.
۳۶ ـ أنظر: خلاصة الأقوال ۸ / نقد الرجال: ۱: ۱۱۹: رقم ۲۱۹ / مجمع الرجال: ۱: ۱۰ ۱۱.
۳۷ ـ استقصاء الإعتبار (محمد بن الحسن العاملي ت ١٠٣٠هـ): ٣: ٢٣٦ / وأنظر: ١: ١٨٨ و٤: ٣٧٠.
۳۸ ـ المصدر السابق: ۱: ۸۷ – ۸۸.
۳۹ ـ خلاصة الأقوال: ۲۰٤ في احمد بن علي أبو العباس.
۴۰ ـ جمع الغضارة وهي الخزف المصنوع من الطين الحر الأخضر: أنظر سفينة البحار: ۲: ٣٣١.
۴۱ ـ أنظر: رسائل الشهيد الثاني: ٢: ١١٢٤.
۴۲ ـ المصدر السابق: ١١٢٦.
۴۳ ـ في آخر نسخة كتاب إبن الغضائري: ۱۰۷ ، الطبعة الأولى: دار الحديث، قم ١٤٢٢ هـ.
۴۴ ـ أنظر: خاتمة المستدرك: ۱: ۷ – ۱۲ / الفائدة الأولى.
۴۵ ـ أنظر: مشجّرة إجازات العلماء الإمامية (للسيد ابو القاسم الطباطبائي ت ١٣٦٢ هـ ): ١٤ / ومشجرة مواقع النجوم وسلسلة الدر المنظوم (للميرزا النوري ت۱۳۲۰ هـ)، منشورات مكتبة آية الله السيد المرعشي قدس سره ، قم ، ١٤٠٦هـ : ٢٤ – ٢٥.
۴۶ ـ خاتمة المستدرك: ٢: ٤٣٨.
۴۷ ـ انظر: التحرير الطاووسي :۵.
۴۸ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ۱۰: ۸۹ / وأنظر: بحوث في علم الرجال (تقريرات بحث السيد علي الفاني): ۲۹ / إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب ميرزا جواد التبريزي): ۳: ۲۹.
۴۹ ـ أنظر: مقدمة كتاب الضعفاء لإبن الغضائري: ۲۱ – ۲۲.