ثانياً: بالنسبة إلى نقل الرواية من كتاب مسائل علي بن جعفر علیه السلام.
فهنا دعويان بالنسبة لثبوت هذا الكتاب:
الدعوى الأولى: شهرة الكتاب عند الأصحاب
الدعوى الثانية: قوّة أسانيد الأصحاب إلى الكتاب
أما الدعوى الأولى:
فهناك شواهد عديدة يُستفاد منها أن كتاب علي بن جعفر علیه السلام كان معهوداً متداولاً بينهم، منها:
۱. كثرة طرق الأصحاب إلى الكتاب
فقد تربو على الإثني عشر طريقاً – كما سيأتي ذكرها – وأقلّ ما يثبت بذلك هو كون الكتاب فوق مرتبة الشهرة.
٢.قول الصدوق قدس سره في مشيخته
(وكذلك جميع كتاب علي بن جعفر علیه السلام فقد رويته بهذا الاسناد)،[۱] فمعروفٌ بينهم كتاب يجمع روايات علي بن جعفر، ولا يحتاج إلى تعريفه بإسمه.
٣. قول الشيخ المفيد قدس سره
(وكان علي بن جعفر شدید التمسك بأخيه موسى [علیه السلام] والإنقطاع إليه، والتوفر على أخذ معالم الدين منه، وله مسائل مشهورة عنه وجوابات رواها سماعاً منه).[۲]
٤ . قول النجاشي قدس سره في ترجمة إسماعيل بن محمد بن إسحاق
(وعن عمّ أبيه علي بن جعفر صاحب المسائل)،[۳] فلام العهدية تدلّ على معروفية الكتاب بينهم.
۵. قول المجلسي الأول قدس سره
(سمعتُ أنّ أهل الكوفة التمسوا منه مجيئه من المدينة إليهم، وكان في الكوفة مدّة وأخذ أهل الكوفة الأخبار عنه).[۴]
فمن غير المنطقي أن يُدعى الرجل من قبل مجتمع محدّثي الكوفة، لأجل أخذ الحديث منه – لا لشيءٍ آخر – ثمّ يدوّن حديثه من قبل أهل الكوفة، ثمّ لا يكون كتابه مشهوراً بينهم ولا ينتقل إلى الجيل التالي بشهرةٍ وتواتر.
فكان تعريف علي بن جعفر علیه السلام وتمييزه عن غيره بواسطة ذكر كتابه، ممّا يدلّ على معروفية الكتاب عندهم آنذاك، وإلا لمّا صحّ التعريف بأمرٍ منكر.
هذا بالنسبة إلى إثبات شهرة الكتاب بين الأصحاب في زمن الصدوق والنجاشي والشيخ الطوسي (أعلى الله درجاتهم).
٦. كلام العلامة النوري قدس سره
حيث قال: (وكيف كان فكتاب علي بن جعفر علیه السلام المبوّب والغير المبوّب – الموجود في هذه الاعصار – بحمد الله تعالى من الأصول المعتبرة المشهورة، الذي رواه عنه كثير من الأعاظم كما لا يخفى على من أمعن النظر في الفهارس والمجاميع).[۵]
أما الدعوى الثانية: من جهة الطريق إلى الكتاب
إنّ طرق الأصحاب إلى كتاب علي بن جعفر علیه السلام قد تصل إلى حدّ التواتر، فهي تربو على الأثني عشر طريقاً، فضلاً عن صحة أغلبها، نذكر أهمها:
أولاً: طرق محمد بن علي الصدوق قدس سره
للصدوق قدس سره تسعة طرق إلى كتاب علي بن جعفر علیه السلام، ذكر في مشيخته خمسةً منها، وحكمَ المجلسي الأول قدس سره بصحة ثلاثةٍ منها، وحُسن الآخرين،[۶] و وصف العلامة قدس سره، والسيد الخوئي قدس سره طريق الصدوق إلى علي بن جعفر بالصحيح.[۷]
وذكر الشيخ الطوسي قدس سره أربعة طرق أخرى للصدوق قدس سره إلى الكتاب، سند ثلاثة منها صحيح أعلائي.
أما طرق الصدوق قدس سره في مشيخة الفقيه، فهي من قوله:
(وكل ما كان في هذا الكتاب عن علي بن جعفر، فقد رويته عن أبي رضي الله عنه، عن محمد بن يحيى العطار عن العمركي بن علي البوفكي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعلیهما السلام.
ورويته عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، عن محمد بن الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله جميعاً، عن أحمد بن محمد بن عيسى، والفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام.
وكذلك جميع كتاب علي بن جعفر علیه السلام فقد رويته بهذا الاسناد).[۸]
وبعد تفكيك التحويل في أسانيده تكون النتيجة خمسة طرق، وهي:
١. والد الصدوق، عن محمد بن يحيى العطار عن العمركي بن علي البوفكي، عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام.
۲. إبن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام.
٣. إبن الوليد، عن الصفار، عن الفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما الاسلام.
۴. إبن الوليد، عن سعد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام.
۵. إبن الوليد، عن سعد عن الفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم،البجلي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام.
ولا يخفى أن جميع رجال الأسانيد من أكابر الرواة وثقاتهم سوى الفضل بن عامر حيث لم يثبت في حقه توثيق، إلا على مسلك دلالة رواية الأجلاء على الوثاقة، كما صرّح به العلامة النوري.[۹]
ولا أقلّ فإنّ كثرة رواية الأجلاء عنه – كسعد وموسى بن الحسن الأشعريين، وإبن الوليد والصفّار – يشهد بحسنه.
أما طرق الصدوق الأربعة التي ذكرها الشيخ قدس سره[۱۰] فهي:
۱. أبيه ، عن سعد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر علیه السلام.
۲. أبيه، عن الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر علیه السلام.
۳ . أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن موسىبن القاسم، عن علي بن جعفر علیه السلام.
۴. أبيه، عن علي بن موسى، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر علیه السلام.
وجميع المذكورين في الطرق الأربعة من أكابر الأصحاب الثابتة وثاقتهم، سوى علي بن موسى في الطريق الرابع، وهو علي بن موسى الكُمنداني من مشايخ علي بن بابويه والد الصدوق قدس سره، ومن مشايخ الشيخ الكليني قدس سره ويقع ضمن العدّة التي يذكرها الكليني إلى أحمد بن محمد بن عیسی وغیره.[۱۱]
ثانياً: طرق الشيخ الطوسي قدس سره
قال في الفهرست: (وله كتاب المناسك، ومسائل لأخيه موسى الكاظم بن جعفر علیهما السلام سأله عنها.
أخبرنا بذلك جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن العمركي الخراساني البوفكي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى الكاظم علیه السلام.
ورواه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن أبيه، عن سعد والحميري وأحمد بن إدريس وعلي بن موسى، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم البجلي ، عنه).[۱۲]
وهو يتضمّن خمسة طرق، جميعها عن الصدوق قدس سره، الأول هو نفس الطريق الأول الذي ذكره الصدوق قدس سره، والأربعة الأخرى هي التي ذكرناها في طرق الصدوق برواية الشيخ قدس سره.
وقد صرّح العلامة قدس سره بصحّة طريق الشيخ إلى الكتاب،[۱۳] وقال المجلسي الأول قدس سره بأن أربعةً منها صحيحة وواحد حسن،[۱۴] وذلك لوجود علي بن موسى الكُمنداني، وهو من مشايخ العدة للكليني، ولم يصرحوا بتوثيقه.
كما حكم السيد الخوئي بصحة طريق الشيخ إلى الكتاب.[۱۵]
ثالثاً: طرق الشيخ النجاشي قدس سره إلى الكتاب
قال الشيخ النجاشي قدس سره: (علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أبو الحسن…. له كتاب في الحلال والحرام يُروى تارةً غير مبوب وتارةً مبوباً.
أخبرنا القاضي أبو عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حدثنا علي بن أسباط بن سالم، قال: حدثنا علي بن جعفر بن محمد، قال: سألت أبا الحسن موسى ، وذكر المبوّب.
وأخبرنا أبو عبد الله بن شاذان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن یحیی، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن الحسن بن علي بن جعفر بن محمد قال: حدثنا علي بن جعفر، وذكر غير المبوّب).[۱۶]
ومراده من الطريق الثاني هو كتاب قرب الإسناد، كما يشهد له رواته، أما طريقه الأول، وهو الطريق إلى كتاب مسائل علي بن جعفر علیه السلام، فهو:
۱. القاضي أبو عبد الله، ثقة بالتوثيق العام لكلّ مشايخ النجاشي قدس سره.[۱۷]
۲. أحمد بن محمد بن سعيد، المعروف بابن عقدة، ثقة، جليل في أصحاب الحديث.[۱۸]
۳. جعفر بن عبد الله المحمدي: وهو العلوي رأس المذري كان وجهاً في أصحابنا، وفقيهاً، وأوثق الناس في حديثه.[۱۹]
٤. علي بن أسباط بن سالم بياع الزطّي ثقة.[۲۰]
فطريق الشيخ أبي العباس النجاشي إلى الكتاب طريق صحيح لا ريب فيه.
توهّم عدم وجود طريق صحيح للكتاب من زماننا إلى زمن الأصحاب
وقد يتوهّم: بأنّ الكتاب وإن كان ثابتاً بطرقٍ صحيحةٍ إلى زمن الصدوق والشيخ الطوسي والنجاشي (أعلى الله درجاتهم)، ولكن من غير الثابت صحّة طريق الكتاب من زمانهم إلى زماننا، فلا يُعلم أنّ كتاب علي بن جعفر الموجود بين أيدينا هو نفس الكتاب الذي كان مشهوراً ثابتاً عندهم، خصوصاً مع ضعف طريق العلامة المجلسي قدس سره[۲۱] إلى الكتاب.
دفع التوهّم وإثبات الطرق الصحيحة إلى الكتب
ويندفع هذا الوهم بالتوجه إلى أمرين:
الأمر الأول: حرص وتفاني علماء الطائفة الحقة في حفظ تراث أهل البيت علیهم السلام، وقد قدّموا الغالي والنفيس وصرفوا أعمارهم لأجل الحفاظ على رواياتهم ثمّ إيصالها إلى مَن بعدهم، ملتزمين بالطرق العلمية من تكرار النَسْخ والمقابلات لها فيما بينهم حتى تصل سليمةً إلى الجيل الذي يليهم، فكيف يُتصوَّر وجود كتابٍ مهمٍّ قريب الإسناد مثل كتاب علي بن جعفر علیه السلام متواتراً بين أيدي عدة من أساطين الطائفة ثمّ يضيع ويختفي، أو تمسه أيدي التدليس والوضع دون أن يشعروا بذلك؟
طرق الحر العاملي إلى الكتب
الأمر الثاني: أسانيد الحر العاملي قدس سره – خريت فنّ الحديث ـ إلى الكتاب، فبعد أن نقل عشرات الطرق – الصحيحة – التي اعتمدها إلى الشيخ الطوسي قدس سره قال (وقد عرف من ذلك الطريق إلى: الكليني، والصدوق، والحسن بن محمد الطوسي…. وعلي بن جعفر، …. وغيرهم ممّن تقدم على الشيخ أو تأخر عنه، وقد ذكر في هذا السند فإنّا نروي كتبهم ورواياتهم بالسند المذكور إليهم ، أو إلى الشيخ بأسانيده السابقة ـ في طرق (التهذيب) و (الاستبصار)، وفي (الفهرست) وفي طرق الصدوق السابقة، وغير ذلك ـ إلى المشايخ المذكورين – كلهم – بطرقهم إلى الأئمة علیهم السلام.)[۲۲]
مضافاً إلى قوله في الفائدة الرابعة: (في ذِكْر الكتب المعتمدة التي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب، وشهد بصحتها مؤلفوها وغيرهم، وقامت القرائن على ثبوتها، وتواترت عن مؤلفيها، أو علمتُ صحة نسبتها إليهم بحيث لم يبق فيها شك ولا ريب، كوجودها بخطوط أكابر العلماء، وتكرر ذكرها في مصنفاتهم، وشهادتهم بنسبتها)،[۲۳] ثمّ عدّد أسماء المصنفات، ومن ضمنها كتاب علي بن جعفر علیه السلام.
فمن يراجع بدقّةٍ كلمات الأصحاب وطرقهم إلى الكتاب لا يتطرق إلى نفسه الشك والترديد في ثبوت مثل كتاب علی بن جعفر علیه السلام.
فتحصّل ممّا ذُكر: أنّ كتاب مسائل علي بن جعفر علیه السلام کتاب معتمدٌ عند الأصحاب، وجميع رواياته معتبرة لا ينبغي التشكيك فيها.
(کتاب الحج ج۲۴ ص ۳۳۹).
۱ ـ من لا يحضره الفقيه ٤: ٤٢٣.
۲ ـ الإرشاد: ۲: ۲۲۰.
۳ ـ رجال النجاشي: ٢٩ رقم ٦٠.
۴ ـ روضة المتقين – ط. ق – : ١٤: ۱۹۱/ ونقل عنه البهبهاني: تعليقة على منهج المقال: ٢٤٧.
۵ ـ خاتمة المستدرك: ٤: ٤٨١.
۶ ـ روضة المتقين: ١٤: ١٥٢.
۷ ـ. أنظر خلاصة الأقوال: ٤٣٧ / معجم رجال الحدیث: ۱۲ :۲۸۸: رقم ۷۹۷۹.
۸ ـ من لا يحضره الفقيه: ٤: ٤٢٢ – ٤٢٣.
۹ ـ أنظر: خاتمة المستدرك ۴: ٤٨١.
۱۰ ـ الفهرست ١٥١ رقم ٣٧٧٤.
۱۱ ـ أنظر: رجال النجاشي: ۳۷۸.
۱۲ ـ الفهرست: ١٥١ رقم ٤ ٣٧٧.
۱۳ ـ أنظر: خلاصة الأقوال: ٤٣٦، وص ٤٣٧.
۱۴ ـ أنظر روضة المتقين: ١٤: ١٥٢.
۱۵ ـ أنظر: معجم رجال الحديث :۱۲: ۲۸۸ رقم ۷۹۷۹.
۱۶ ـ رجال النجاشي: ٢٥١ – ٢٥٢: رقم ٦٦٢.
۱۷ ـ أنظر: الرواشح السماوية ٦٨ / الفوائد الرجالية: ٢: ٩٦ / خاتمة المستدرك: ٣: ١٥٨/ موسوعة الإمام الخوئي: ٧: ۷۰/ معجم رجال الحديث: ١: ١٥٠ – ٥١ / وص ١٩٧ / وص ٢٤٩ / وج ١٢ ٢٧٧: رقم ٧٩١٢ مستدركات علم الرجال: ۱: ۳۷۰: رقم ۱۱۹۷.
۱۸ ـ أنظر رجال النجاشي: ٩٤ رقم ٣۲۳.
۱۹ ـ المصدر نفسه: ۱۲۰: رقم ٣٠٦.
۲۰ ـ المصدر نفسه : ٢٥٢: رقم ٦٦٣.
۲۱ ـ أنظر: بحار الأنوار: ١٠ ٢٤٩: باب ۱۷: ح١.
۲۲ ـ وسائل الشيعة ۳۰: ۱۷۹: الفائدة الخامسة.
۲۳ ـ المصدر السابق : ۱۵۳: الفائدة الرابعة.