بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین و صلی الله علی سیدنا محمد و آله الطاهرین سیما بقیة الله فی الارضین و اللعن علی اعدائهم الی یوم الدین
و البحث في اعتباره و عدمه يتوقف علی ذكر ثلاثة أمور:
الأول: الوجوه التي استدل بها علی اعتباره.
الثاني: الوجوه التي استدل بها علی تضعيفه.
الثالث: بيان الحق في المقام.
أما الأمر الأول: فاستدل بوجوه علی اعتباره:
الأول:
أنه من رجال تفسير القمي، و بشهادة التي في العامة – و التي ذكرها في أول تفسيره – بتوثیق رجال الأحاديث الذين ذكروا في تفسيره، يكون أحمد بن هلال معتبرا و موثقا. و قد ذكر في موضعين منه:
أحدهما: في تفسير آية: «قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات و النذر عن قوم لا يؤمنون»
ثانيهما: في تفسير آية: «بل كذوا بالساعة و أعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا»
و فيه:
أولا:
أن الاستدلال به يبتني علی القول بتوثیق رجال التفسير، و الحق عدم صحة هذا المبنی علی ما حققناه في كتاب الطهارة.
ثانيا:
لو سلمنا المبنی، فالثابت إنما هو التوثيق لمشايخه الذين هم بلاواسطة علی ما تحقق في محله.
و قد ذكر أحمد بن هلال في موردين منه، و في كليهما هو من مشايخه مع الواسطة، فسند الحديث في تفسير الآية الأولی هو: «أخبرني الحسين بن محمد عن المعلی بن محمد قال: حدثني أحمد بن محمد بن عبدالله عن أحمد بن هلال… إلخ». و سنده في تفسير الثانية هو: «حدثنا أحمد بن علي قال: حدثني الحسين بن أحمد عن أحمد بن هلال… إلخ».
الوجه الثاني:
أنه من رجال کامل الزیارات، و بشهادة ابن قولویه العامة – و التي ذكرها في مقدمة كتابه – يكون أحمد بن هلال موثقا و معتبرا. و قد ذكر في ثلاثة مواضع منه:
أحدها: «حدثني أبي و جماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن علي الزيتوني و غيره، عن أحمد بن هلال… إلخ.
ثانيها: «و رواه أحمد بن هلال عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا علیهالسلام… إلخ»
ثالثها: «حدثني بهذه الزيارة أحمد بن محمد بن الحسن بن سهل، عن أبيه، عن جده، عن موسى بن الحسن بن عامر، عن أحمد بن هلال… إلخ»
و فیه:
أولا:
أن الاستدلال به يبتني أيضا علی القول بتوثيق رجال کامل الزیارات، و الحق عدم صحة هذا المبنی، علی ما بناه في كتاب الطهارة.
و ثانيا:
لو قبلنا توثيق ابن قولويه العام في مقدمة كتابه، فهو إنما يختص بالمشايخ الذين هم بلاواسطة، فلا يشمل مثل أحمد بن هلال، لكونه مع الواسطة في المواضع الثلاثة التي ذكر فيها علی ما حقق في محله.
أما في الموضعين الأول والثالث فواضح، لكون الواسطة مذكورة وأما في الثاني فلعدم إمكان رواية ابن قولویه عنه بلا واسطة، لأنه من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري، فكيف يروي عنه ابن قولویه بلا واسطة؟!
و ثالثا:
أن ابن قولويه قال في مقدمة كتابه: «و قد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنی و لا في غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته… إلخ». يعني أنه قام بتوثيق الرجال الذين هم من أصحابنا، و أحمد بن هلال كما ستثبت لاحقا ليس من أصحابنا، لأن المراد من أصحابنا هم الشيعة، و هو لم يكن منهم، فضلا عن كونه من أصحاب الأئمة علیهمالسلام.
الوجه الثالث:
توثيق النجاشي لله له، حيث قال في ترجمته: أحمد بن هلال، أبو جعفر العبرتائی، صالح الرواية، يعرف منها و ينكر، وقد روي فيه ذموم من سيدنا أبي محمد العسكري علیهالسلام.
فأقصی ما يمكن أن يستدل به علی توثيق النجاشي له هو من قوله «صالح الرواية». فيجب معرفة مفاد هذه الكلمة، وأنها تدل علی المدعی أم لا؟ يوجد قولان:
أحدهما:
أن شأن الرجالی هو بيان أحوال رجال الحدیث، لا نفس الحديث، فشأنه أن يوثق هذا، و لا يوثق ذاك. و بناء عليه، فيكون المراد من قول النجاشي «صالح الرواية» صلاح نفس الراوي و صلاحه عبارة أخری عن وثاقته، فيثبت المدعي.
و قوله «يعرف منها و ينكر» لا يقدح في وثاقته، فقد يكون بعض روایاته منکرة مع كونه ثقة، لكون سيرة الرواة علی نقل كل ما يجدونه من الروايات أمامهم.
و النتيجة: ثبوت وثاقة أحمد بن هلال من قوله: «صالح الرواية».
ثانيهما:
أنه مع التدقيق في كتب الرجال، يعلم أن الرجالي يلاحظ نفس الراوي، و رواياته أيضا، و لذا ففي بعض الموارد قالوا: «روایاته منکرة، أو رواياته شاذة، أو رواياته تشتمل علی الغلو» أو غير ذلك. فلا يكون شأن الرجالي بيان حال نفس الراوي فقط، بل من شأنه بيان حال رواياته أيضا.
و عليه، فحمل قوله: «صالح الرواية» علی صلاح نفس الراوي، حمل علی خلاف الظاهر و محتاج إلی القرينة. كما أن حمل صالح الفعل علی صالح الفاعل علی خلاف القاعدة، فقد يكون فعل الفاعل حسنا، مع كون نفس الفاعل قبيحة.
ولا أقل من كون ما ذكر منشأ للشك في دلالة قوله: «صالح الرواية» علی صلاح الرواية أو الراوي؟ فيكون مجملا، فتسقط شهادة النجاشي بوثاقة أحمد بن هلال عن الاعتبار.
الوجه الرابع:
رواية اجلاء الاصحاب عنه، فأجلاء الأصحاب مثل سعد بن عبدالله، و الحميري، و محمد بن علي بن محبوب، و محمد بن عيسی العبيدي، و موسی بن الحسن الأشعري، ومحمد بن يحيی العطار و غيرهم، قد نقلوا عنه، و شأن هؤلاء يقتضي عدم الرواية عن غير الثقة.
و فيه:
أنه قد ثبت و حقق أن رواية أجلاء الأصحاب عن الشخص لا تعتبر دليلا علی وثاقته، لأن مبنی بعضهم هو التحفظ علی ما يصل إليهم من الروايات، سواء أكان الراوي ثقة أم لم يكن.
الوجه الخامس:
رواية ابن فضال عنه، ففي خصوص کتب بني فضال ورد عن المعصوم علیهالسلام علة الأخذ بما رووا، و ترك ما رأوا، لأن ابن فضال كان فاسد المذهب، و قد نقل عن أحمد بن هلال في عدة موارد، فيندرج في قوله علیهالسلام «خذوا بما رووا»، و بناء عليه تثبت وثاقة ابن هلال.
و فيه:
أن قول الإمام علیهالسلام في حق ابن فضال يثبت اعتبار نفس ابن فضال دون غيره، و عليه فينبغي ملاحظة الوسائط بين الحسن بن علي بن فضال و بين الإمام به، فإن كانت تامة، أمكن الأخذ بروايته مع كونه فاسد المذهب، وإلا لم يمكن الأخذ بها.
الوجه السادس:
أن الشيخ الطوسي قد ذهب في العدة إلی حجية روایات أشخاص منهم أحمد بن هلال إذا كانت روايته في حال استقامته لا انحرافه . فيكشف عن وثاقته، وإلا فلا معنی لحجية رواياته في حال استقامته.
إلا أن يقال: إن قول الشيخ – بعدم حجية رواياته في حال انحرافه – یکشف عن انعدام و ارتفاع وثاقته حال انحرافه، فلا تثبت وثاقته مطلقا و عليه، فتثبت حجية روايات أحمد بن هلال لو أحرز نقله لها في حال استقامته، أما لو لم يحرز ذلك، فلا تكون حجة.
وقد ذكر الشيخ الصدوق له في كتابه كمال الدین و تمام النعمة: قال: سمعت سعد بن عبدالله يقول: ما رأينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلی النصب إلا أحمد بن هلال… إلخ. فهذا الكلام منه يثبت أن ابن هلال كان شيعيا في زمن من الأزمنة، ثم صار ناصبيا. و بالجملة، لا طريق لنا لإثبات أن هذه الرواية كانت في حال استقامته.
الوجه السابع:
رواية المشايخ الثلاثة – الطوسي والصدوق والكليني – عنه تكشف عن وثاقته، خصوصا مع ملاحظة عبارتي الكليني في مقدمة كتابه «الكافي» و الصدوق في مقدمة كتابه «من لا يحضره الفقيه»، من أن هذين الكتابين حجة بينهما و بين الله.
و فيه:
أن مجرد نقل المشايخ الثلاثة عن شخص لا يكشف عن وثاقته، وقولهما في مقدمة كتابيهما يكشف عن حجية الرواية عندهما، و هو أعم من كون الرواة موثقين و من أن الرواية موثوق بها عندهم.
فتحصل: عدم صحة الوجوه المذكورة لتوثيق هذا الرجل.
و أما الأمر الثاني: فاستدل بوجوه علی تضعيفه:
الأول:
ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الهادي. فقال : أحمد بن هلال العبرتائي، بغدادي، غالي.
و فيه:
أولا:
أن الشهادة علی الغلو لا تثبت الضعف، وأقصی ما يمكن أن تثبته هو فساد العقيدة.
ثانيا:
أن بعض الأمور كانت تعتبر غلوا في الأزمنة السابقة، ثم ثبت عدم كونها كذلك في هذا الزمان.
الثاني:
ذكر الشيخ في موضع آخر منه أنه من أصحاب الإمام العسكري علیهالسلام و ذكر اسمه و اسم أبيه فقط، دون أن يذكر شيئا آخر عنه.
الثالث:
قال في الفهرست: و كان غاليا، متهما في دينه، و قد روی أكثر أصول أصحابنا.
و فيه:
أنهما لا تكونان شهادة علی تضعیفه.
الرابع:
ذكر العلامة في القسم الثاني من كتابه خلاصة الأقوال مع ضعفاء الرواة، و ذكره لكلام النجاشي عنه، ثم ختم قوله: و عندي أن روايته غير مقبولة.
و فيه:
أنه يتم علی القول باعتبار تضعيفات العلامة، و المختار عدم الاعتبار، و قد حققناه في بحث الأصول عند الكلام عن سند حديث الرفع.
الخامس:
قال في التهذيب بعد نقله للخبر: و أول ما في هذا الخبر أنه ضعيف الإسناد جدا، لأن رواته كلهم مطعون عليهم، و خاصة صاحب التوقيع أحمد بن هلال، فإنه مشهور بالغلو و اللعنة، و ما يختص بروايته لا نعمل عليه.
و لا يخفی أن هذا الكلام شهادة من الشيخ علی ضعف أحمد بن هلال، لأن الظاهر من ضعف الإسناد ضعف رجال الحدیث، خصوصا مع قوله «لأن رواته كلهم مطعون عليهم».
إلا أن يقال: إن تعليله بأنه مشهور بالغلو و اللعنة يقوي احتمال کون عدم عمل الشيخ قائل بروايته من جهة فساد عقيدته، و المفروض أن فساد العقيدة لا يضر بحجية الرواية علی مسلك التحقيق من حجیة خبر الثقة.
و لكن يمكن اندفاعه: بأن مسلك الشيخ الطوسي قال أيضا عدم قدح فساد المذهب إذا كان الرجل في نفسه ثقة، كما يظهر من كلامه في عدة الأصول، و مع ذلك يصرح هنا بضعف الرواية سندا و عدم عمله بها.
فالحق قوة دلالة هذا الكلام من الشيخ علی تضعيف الرجل.
السادس:
قال في الاستبصار: ضعيف فاسد المذهب، لا يلتفت إلی حديثه فيما يختص بنقله.
و هذا الكلام لا يرد عليه ما تقدم من الإشكال علی سابقه، لعدم تعرضه للعلة هنا، فهو متضمن لشهادتين: الأولی: أنه ضعيف و الثانية: أنه فاسد المذهب. و لأن هاتين الشهادتين عن حس، فتكون من الشهادات الحسية علی ضعفه، بل ولو شك في كون الخبر و الشهادة عن حس أو حدس، فلا بد من حمله علی الحس، لما ثبت في محله من أن الخبر المردد بين الحدس و الحس، يحمل علی الحس و إرجاع الضعف إلی فساد العقيدة خلاف ظاهر تعدد الخبر.
فالنتيجة: أن كلامه لي شهادة حسية علی ضعف ابن هلال.
السابع:
أن أحمد بن هلال ممن استثناه محمد بن الحسن بن الوليد من رواية محمد بن أحمد بن يحيی.
و[فیه]:
هذا الوجه یشكل الاعتماد عليه علی ما بيناه في كتاب الطهارة.
و الثامن:
كلام الكشي في ترجمة هذا الرجل: فإنه نقل عن علي بن محمد بن قتيبة قال: حدثني أبو حامد المراغي قال: ورد علی القاسم بن العلاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال، وكان ابتداء ذلك أن كتب علیهالسلام إلی نوابه بالعراق: «إحذروا الصوفي المتصنع، قال: و كان من شأن أحمد بن هلال أنه كان قد حج أربعة و خمسين حجة عشرون منها علی قدميه، قال: و قد كان رواة أصحابنا بالعراق لقوه و كتبوا منه، فأنكروا ما ورد في مذمته، فحملوا القاسم بن العلاء علی أن يراجع في أمره، فخرج إليه: قد كان أمرنا نفذ إليك في المصنع ابن هلال لا رحمه الله بما قد علمت، و لم يزل لا غفر الله له ذنبه، و لا أقاله عثرته، داخل في أمرنا بلا إذن منا و لا رضی، یستبد برأيه فيتحامی من ديوننا [من ذنوبه] لا يمضي من أمرنا إياه إلا بما يهواه و يريده، أرداه الله بذلك في نار جهنم، فصبرنا عليه حتی بتر الله بدعوتنا عمره، و كنا قد عرفنا خبره قوما من موالينا في أيامه، لا رحمه الله، و أمرناهم بإلقاء ذلك إلی الخاص من موالينا، و نحن نبرأ إلی الله من ابن هلال، لا رحمه الله، و لا من لا يبرأ منه، و أعلم الإسحاقی سلمه الله و أهل بيته مما أعلمناك من حال هذا الفاجر، و جميع من كان سألك و يسألك عنه من أهل بلده و الخارجين، و من كان يستحق أن يطلع علی ذلك، فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما روی عنا ثقاتنا، قد عرفوا بأنا نفاوضهم بسرنا و نحمله إياه إليهم… إلی أن قال: و لا يجعله مستودعا، و قد علمتم ما كان من أمر الدهقان عليه لعنة الله، و خدمته و طول صحبته، فأبدله الله بالإيمان کفرا حين فعل ما فعل…».
و النتيجة: أنه مع وجود هذه العبارات القاسية جدا في حقه، و خصوصا قوله علیهالسلام: «نبرأ إلی الله من ابن هلال، لا رحمه الله، و لا من لا يبرأ منه»، فإنه يسقط عن الاعتبار، و لا يؤخذ منه روايات الحلال و الحرام، فلا يمكن للمعصوم علیهالسلام أن يرجع الشيعة إلی شخص ورد في حقه هكذا عبائر، وأنه يبرأ ممن لا يبرأ منه.
و قد أجيب عنه:
إن هذا التوقيع منه علیهالسلام يثبت فساد عقيدته و انحرافه عن جادة الحق ليس إلا، و کون خبر الثقة حجة أعم من كون الراوي فاسد المذهب فطحي المذهب أو واقفيه أو غير ذلك. لأن الموضوع المأخوذ في حجية خبر الثقة بحسب الأدلة هو وثاقة الشخص لا عقيدته، و المفروض ثبوت وثاقة ابن هلال بقول النجاشي: «إنه صالح الرواية»، و لا يوجد ما يعارض هذه الشهادة علی وثاقته، و الثابت هو الشهادة علی فساد عقيدته، وهي لا تضر في حجية خبر الثقة.
و فيه:
أولا:
أنه قد ورد في هذا التوقيع ـ بعد ما ورد في إسقاط أحمد بن هلال من أنه يداخل في أمرنا… لا يمضي من أمرنا إياه إلا بما يهواه… و كنا قد عرفنا خبره قوما من موالينا… و أمرنا بإلقاء ذلك إلی الخاص من موالينا… و نحن نبرأ إلی الله من ابن هلال، لا رحمه الله، ولا من لا يبرأ منه… مما أعلمناك من حال هذا الفاجر ـ قوله علیهالسلام: «لا عذر في التشكيك فيما روي عنا ثقاتنا»، فهل يمكن أن يقال: إن هذا القول و الكبری الدالة علی حجية خبر الثقة يشمل ثقة مثل أحمد بن هلال، و أن الإمام علیهالسلام بهذا القول يأمرنا بأخذ الحلال و الحرام من مثل هذا الشخص؟!
و بعبارة أخری: كلامه عليهالسلام يشتمل علی التقسيم القاطع للشركة، فقسم من الرواة كأحمد بن هلال ساقط عن الاعتبار و منهي عن الأخذ برواياتهم و قسم منهم – ثقات الأئمة علیهمالسلام – المأمور بأخذ الرواية عنهم.
و ثانيا:
لو سلمنا عدم المنافاة بين كونه فاسد المذهب و العقيدة و بين إمكان الأخذ بروايته، إلا أن الإشكال وارد أيضا، لأن عمدة أدلة حجية خبر الثقة هو سيرة العقلاء، و معها لا يوجد إطلاق أو عموم كي يتمسك به عند الشك في خروج فرد من تحته، فهي دليل لبي يتمسك فيه بالقدر المتيقن عند الشك، و هو فيما لو لم ترد هكذا عبائر في حق المخبر، و أما مع ورودها في حقه، فلا أقل من الشك في إقدامهم علی العمل بخبره، إن لم نقطع بعدم عملهم به، فيؤخذ بالقدر المتيقن في المقام، فلا يكون خبره مشمولا لسيرة العقلاء و لا لأدلة حجية خبر الثقة، فلا تثبت حجية خبره.
نعم،
يتوقف الاستدلال بكلام الكشي علی وثاقة علي بن محمد بن قتيبة، و أحمد بن إبراهيم أبي حامد المراغي.
أما أحمد بن إبراهيم
فلم يرد فيه توثيق خاص، إلا أن العلامة ذكره في القسم الأول من الخلاصة المتضمن لمن يعتمد عليه، و نحن نحتاط في توثيقات العلامة علی ما ذكرناه في محله.
و أما علي بن محمد بن قتيبة فقد استدل علی توثیقه بوجوه:
الأول:
كلام النجاشي، حيث قال في ترجمته: علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري، عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال… إلخ.
و أشكل عليه بعض الأعلام قال في معجم رجاله: بأن النجاشي ذكر في ترجمة الكشي أنه يروي عن الضعفاء كثيرا.
و أجاب عنه والدي المعظم مد ظله العالي: بأن الرواية عن الضعفاء غير الاعتماد علی الضعفاء، فلا تنافي بين اعتماد الكشي علی شخص و بين نقله عن الضعفاء من دون اعتماد عليهم.
إن قلت: إن الكاشف عن اعتماد الكشي ليس إلا من جهة أنه يروي عن علي بن محمد بن قتيبة كثيرة، و مع أنه يروي عن الضعفاء كثيرة أيضا فكيف يمكن استكشاف اعتماد الكشي عليه و وثاقته عنده.
قلت: يرد هذا الإشكال إذا كان الكشي يروي عن ضعيف معين كثيرة، لكنه ليس كذلك، بل يروي عن الضعفاء المتعددین. و لكنه يروي عن علي بن محمد بن قتيبة و هو شخص واحد كثيرة، و مما ذكرنا ظهر أنه لا تنافي بين كلامي النجاشي.
الثاني:
أن العلامة ذكر هذا الشخص في القسم الأول من الخلاصة الممهد لذكر من يعتمد عليه. كما أنه صحح الرواية التي في سندها علي بن محمد:
منها: ما ذكره في ترجمة سدير بن حکیم، فإنه بعد نقل رواية الكشي عن علي بن محمد بن القتيبي، قال: «و هذا حديث معتبر يدل علی علو مرتبتهما».
و منها: ما ذكره في ترجمة يونس بن عبدالرحمن، قال: «و روی الكشي حديثا صحيحة عن علي بن محمد القتيبي»، و قال أيضا: «وفي حديث صحيح عن علي بن محمد القتيبي…».
و منها: غير ذلك.
و الاستدلال بهذا الوجه علی القول باعتبار تصحيحات العلامة لا نقاش فيه، و قد أشبعنا الكلام فيها في مباحثنا الأصولية في حديث الرفع، و نحن نحتاط في تصحيحاته.
الثالث:
حكم الشيخ الطوسي قال بأنه فاضل، فهو مدح يدخل الرجل به في الحسان.
و أجاب عنه في المعجم:
بأن الفضل لا يعد مدحا في الراوي بما هو راو، و إنما هو مدح للرجل في نفسه باعتبار اتصافه بالكمالات و العلوم.
هذه هي الوجوه التي ذكرت لتوثيق علي بن محمد بن قتيبة، وقد تحقق صحة الوجه الأول، و يمكن أن يستدل بوجوه أخری:
الرابع:
أن النجاشي نقل في ترجمة محمد بن عيسی بن عبيد كلام الكشي عن القتيبي و قال: «قال أبو عمرو: قال القتيبي: كان الفضل بن شاذان يحب العبيدي و يثني عليه، و يمدحه و يميل إليه، و يقول: ليس في أقرانه مثله». ثم قال النجاشي بعد ذكر هذا الكلام: «و بحسبك هذا الثناء من الفضل». و هذا يكشف عن اعتماد النجاشي علی القتيبي، وإلا لم يصح تصديقه هذا الثناء.
و نقل أيضا في ترجمة يونس بن عبدالرحمن كلام الكشي و قال: «قال أبو عمرو الكشي فيما أخبرني به غير واحد من أصحابنا عن جعفر بن محمد عنه… فقال: خذ عن يونس بن عبدالرحمن». ثم قال: «و هذه منزلة عظيمة». فتصدیقه بهذه المنزلة يكشف عن اعتماده و توثيقه لعلي بن محمد بن قتيبة.
الخامس:
أن النجاشي قال في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيي: «و كان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيی ما رواه عن محمد بن موسی الهمداني…»، و علي بن محمد بن قتيبة ممن وقع في المستثنی منه، بمعنی أن محمد بن الحسن بن الوليد لم يستثنه، بل روی عنه، و هو دليل علی توثيق محمد بن الحسن بن الوليد لعلي بن محمد بن قتيبة.
السادس:
أن السيد أحمد بن موسی الطاووس قد اعتمد علی الرواية المشتملة علی علی بن محمد بن قتيبة، فإنه قال في ترجمة سدير بن حكيم بعد نقل كلام الكشي عن علي بن محمد القتيبي: «و الذي أقول: إن هذا حديث معتبر السند ظاهر في علو مرتبتيهما».
و كذلك قال في ترجمة يحیی بن القاسم أبي بصير الأسدي: «… الطريق علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن محمد بن الحسن الواسطی و محمد بن يونس عن الحسن بن قياما. أقول: إن الطريق معتبر عدا این قیاما فإنه واقفی…».
و قد يشكل هذا الوجه:
بأن توثيقات أحمد بن موسی الطاووس مع بعد زمانه اجتهادية، فلا يعتنی بها. و لكن الذي يقوی في النظر أن الظاهر من هذا الكتاب أن وصفه لرجال الحديث كان مستندة إلی كتب القدماء الموجودة عنده، لا إلی الحدس و الاجتهاد. و علی أي تقدير، نحن نحتاط فيمن وثقه السيد أحمد بن موسی الطاووس.
فتحصل مما ذكرنا:
أن علي بن محمد بن قتيبة ثقة يعتمد عليه، و به تصح مجموعة كثيرة من الأحاديث الواردة عن مولانا السلطان أبي الحسن بن موسی بن جعفر الرضا صلوات الله عليه و علی آبائه الطاهرين عن طريق علي بن محمد بن قتيبة، و الحمد لله رب العالمين.
ثم لا يخفی أن علو مضامين التوقيع قد يوجب الوثوق الشخصي بصدوره عن المعصوم علیهالسلام. و يؤيده تصديق بعض المدققين من الفقهاء مثل المحقق النراقي في عوائد الأيام، حيث قال: «الثاني عشر: ما رواه الكشي في العالي السند الصحيح: أنه ورد توقيع… و غيره.
فتحصل مما ذكرنا:
ضعف أحمد بن هلال، فلا تكون الرواية المشتملة عليه و منها هذه الرواية الدالة علی اعتبار إذن الأبوين في حج البالغ معتبرة سندا.
تعارض الشهادات
ثم لو قيل بدلالة «صالح الرواية» في كلام النجاشي علی اعتبار نفس الشخص كما ذهب إليه بعض الأعلام و تقدم ذكره فلا شك في تعارضه مع هذه الشهادات علی ضعفه، فلو لم نقل بتقديم الشهادات الدالة علی الضعف لكثرتها علی القول بتقديم البينة المتعددة علی الواحدة في الموضوعات فلا ريب في تساقطهما، فيبقی أحمد بن هلال بلا توثيق و لا تضعیف، فلا تكون الرواية المشتملة عليه حجة أيضا.
من ابحاث کتاب الحج لسماحة الاستاد الشیخ محسن الوحید الخراسانی ج۱ ص۱۵۱