فهرست مطالب

قد تقدّم أنّ جميع رواة الحديث ممن ثبتت وثاقتهم سوى أبي كهمس – وفي بعض النسخ "كهمش" – وهو الهيثم بن عبيد الشيباني الكوفي، أو الهيثم بن عبد الله ، والظاهر اتحادهما.[۱]

قال النجاشي قدس سره: (هيثم «الهيثم» بن عبد الله أبو كهمس، كوفي، عربي، له كتاب ذكره سعد بن عبد الله في الطبقات).[۲]

وقال الشيخ الطوسي قدس سره: (الهيثم بن عبيد الشيباني أبو كهمس الكوفي أسند عنه).[۳]

ولا دلالة في كلام العلمَين على الجرح أو التوثيق، إلا عند بعض المتأخرين،[۴] حيث اعتبر أنَّ مجرد ذكر الشيخ أحداً في أصحاب الصادق علیه السلام علامة على التوثيق.

مضافاً إلى أنّ قوله فيه: (أسند عنه) إشارة إلى وجوده في رجال إبن عقدة، فيكون من موثّقاته.

ولكنّ هذا المبنى لا يساعد عليه التحقيق.

ما يمكن أن يعتبر توثيقاً لأبي كهمس

وغاية ما يمكن أن يُقال في إثبات توثيقه أمور:

الأمر الأول: عدم استثناء محمد بن الحسن بن الوليد قدس سره

بيان ذلك: أنَّ إبن الوليد وهو شيخ الصدوق شهد بقبوله لكتاب نوادر الحكمة الذي ألّفه محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري رحمه‌الله[۵] بجملته، ثمّ استثنى بعض الرواة منه،[۶] فيُعلم أنّ كلّ من لم يذكره في الاستثناء يكون داخلاً فی المستثنی منه، و تکون شهادةً منه علی توثیق جمیع رواة الأشعری فی المستثنی منه، و إلا لزم التناقض فی کلامه.

و حیث إنّ أبا کهمس ممّن وقع فی أسانید کتاب نوادر الحکمة، و لم یستثنه إبن الولید، فیکون داخلاً فی الذین شهد ابن الولید بوثاقتهم.

و هذا هو مسلک جماعة من أعيان الفقه والرجال، كالسيد الداماد والوحيد البهبهاني وصاحب الجواهر وغيرهم،[۷] وهو المختار وإن لم نقبل جانب التضعيف في المستثنى.

اللهم إلا أن يُقال: إنّ القدر المتيقّن من توثيق إبن الوليد هو الرواة بلا واسطة، فلا يعمّ مثل أبي كهمس وبينه وبين الأشعري ثلاثة وسائط أو أكثر.

ولكن هذا الإيراد غير وارد لوجهين:

الوجه الأول: أنّ ظاهر كلام إبن الوليد وكذلك الشيخ الصدوق قبول جميع رواياته باستثناء ما كان عن البعض، وقبول الرواية بجميع رواتها في كل الطبقات أعمّ ممن يروي عنهم بواسطة ومن يروي عنهم بلا واسطة، قال الشيخ قدس سره: (وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى…)،[۸] وقال: (وقال أبو جعفر بن بابويه إلا ما كان فيها من غلوّ أو تخليط…)،[۹] فظاهر كلامهما الاستثناء من مطلق الرواية، ولازمه قبول مطلق رواياته في المستثنى منه.

الوجه الثاني: أن من ضمن الذين أستثنوا من روايات النوادر رجالاً. يروي عنهم محمد بن أحمد الأشعري بواسطة واحدة، كأحمد بن بشير[۱۰] ومحمد بن عبد الله بن مهران[۱۱] ومحمد بن علي الصيرفي،[۱۲] وهناك آخرون يروي عنهم بوسائط متعددة – كوهب بن منبه الذي يروي عن الصادق علیه السلام،[۱۳] بل عن ابن عباس[۱۴] – ولا يُعقل أن يكون اللحاظ في المستثنى إلى المشايخ ولو مع الواسطة وفي المستثنى منه إلى خصوص المشايخ بلا واسطة.

ولأجل ذلك فكما أنّ التضعيف يشمل جميع من ورد ذِكرهم وإن كان يروي عنهم بالواسطة، فكذلك التوثيق يشمل جميع رجال الأسانيد ممن لم يَستَثنهم.

الأمر الثاني: شهادة أبي عمرو الكشي رحمه الله

لرواية بعض أصحاب الإجماع عن أبي كهمس، بيان ذلك:

قال محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي رحمه‌الله في رجاله: (تسْمِيَّةُ الْفُقَهَاءِ مِن أَصْحَاب أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام… أجمعت الْعِصَابَةُ عَلَى تَصْحِيحِ مَا يَصِحُ مِنْ هَؤُلَاءِ وتَصْدِيقِهِم لِمَا يَقُولُون ، وأَقَرُّوا لَهُمْ بِالْفِقُه…)،[۱۵] ثم ذكر جماعةً منهم: عبد الله بن بكَيْر، وحَمَّادُ بن عيسى، وحَمَّاد بن عُثْمَان.

وفي مورد آخر قال: (تسْمِيَةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا علیهم السلام… أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَصْحِيح مَا يَصِحُ عَن هَؤُلاء وتَصْديقهم، وأَقَرُّوا لَهُم بالفقه والعلم)[۱۶]: وذكر آخرين ومنهم: الحسن بن محبوب.

واستفيد من كلامه شهادته بإجماع الطائفة على تصحيح كلّ خبرٍ وصل إلينا بطريقٍ صحيحٍ عن أحد هؤلاء النفر، فيدلّ على وثاقة كل من تقدّم عليهم في السند.[۱۷]

فإذا ثبتت هذه الكبرى يترتّب عليها توثيق أبي كهمس، لأنّه قد روى عنه من ذكرنا من أصحاب الإجماع، فقد روى عبد الله بن بكير[۱۸] وحمّاد[۱۹] – بن عيسى أو بن عثمان – والحسن بن محبوب[۲۰] عن أبي كهمس بأسانيدٍ صحيحة، فتثبتُ وثاقته بهذا التوثيق العام.

ولكن التحقيق عدم ثبوت هذه الكبرى، وغاية ما يثبت من كلام الكشي رحمه‌الله توثيق نفس أصحاب الإجماع، والبحث موكول إلى محلّه.

الأمر الثالث: إرسال الإمام الصادق علیه السلام إياه رسولاً إلى إبن أبي ليلى

وإبن أبي ليلى هو فقيه العامة، وقد أرسل علیه السلام أبا كهمس لمحاجته في مسائل فقهية بسبب ردّه شهادة محمد بن مسلم، فقد روى الكشي بسندٍ صحيح إلى أبي كهمس أنه دخل على أبي عَبْد الله علیه السلام فَقَال له: شَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيُّ الْقَصِيرِ عِنْد إبن أَبِي لَيْلَى بشَهَادَةٍ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِذَا صِرْتَ إِلَى الْكُوفَةِ فَأَتَيْتَ إِبن أَبِي لَيْلَى، فَقُلْ لَهُ: أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ لَا تُفْتِينِي فِيهَا بِالْقِيَاسِ ولا تَقُول قَالَ أَصْحَابُنَا، ثُمَّ سَلْهُ عَنِ الرَّجُلِ يَشْكُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأَولَيَيْنِ مِنَ الْفَرِيضَةِ، وَعَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ جَسَدَهُ أَو ثِيَابَهُ الْبَوْلُ كَيْفَ يَغْسِلُهُ، وعَنِ الرَّجُلِ يَرْمِي الْجِمَارَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَتَسْقُطُ مِنْهُ وَاحِدَةٌ كَيْفَ يَصْنَع، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٍ فَقُل له: يَقُولُ لَكَ جَعْفَرُ بن مُحَمَّد: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ رَدَدْتَ شَهَادَةَ رَجُلٍ أَعْرَفَ بِأَحْكَامِ اللَّهِ مِنْكَ، وأَعْلَمَ بِسِيرَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله مِنْك ؟…الحديث ).[۲۱]

فذهب ونفّذ رسالة الإمام علیه السلام كما أمره بدون زيادةٍ أو نقصان، فألقم أبا ليلى حجراً مما اضطره إلى إجازة شهادة محمد بن مسلم.

فاختيار الإمام علیه‌السلام إيّاه يكشف عن أمرين:

الأمر الأول: عن علم الإمام علیه السلام بصدقه وأمانته ودقته في نقل الحديث، وإلا فيحتمل أن يزيد أو ينقص ولا يؤدي الغرض المطلوب.

الأمر الثاني: عن مقامه العلمي، فهو وإن كان قد لُقِّن من قِبَل الإمام علیه السلام بما ينبغي أن يقول ولكن في مقام الإحتجاج مع كبير فقهاء المخالفين لا يكفي أن يذكر هذه المسائل دون أن تكون له خلفية علمية قد يحتاجها إذا راوغ الخصم.

قد يُقال: إنّ هذه الرواية لا تثبت ميزةً لأبي كهمس، لأنّ سندها ينتهي إليه فیلزم من قبولها الدَور.

وقد يُدفع هذا الإيراد بوجود شواهد على صدق الحديث:

الشاهد الأول: أن اختيار هكذا مسائل فرعية، عن علم بأنّ المخالفين لا دليل لهم فيها، فيكون طرحها موجباً لإسكاتهم واثبات ضعفهم لا يتيسّر لكلّ أحدٍ، بل تكشف عن إحاطة بأدق تفريعات الفقه، فيكون شاهداً على صدوره من الإمام علیه السلام، لا من ابتكار أبي كهمس.

الشاهد الثاني: أنّ الرواية لا تذكر حكماً شرعياً حتى يحتمل أن يكون الراوي قد وضعه، بل تتضمّن إخباراً عن حادثةٍ حدثت في الخارج لمحمد بن مسلم، وهو شخصيّة أشهر من نارٍ على علمٍ بين الأصحاب، فهو لم ينقل حادثةً عن رجل مجهول، وبعيد جداً أن يجعل شخص حادثةً كاذبةً لشخص مشهور يحتمل معها أن يُجابَه بالردّ والتكذيب.

ومع ذلك كلّه يمكن المناقشة لما ذكر، بأنّه وإن كان يُفيد الظنّ القوي بصدورها عن الإمام علیه السلام، ولكن يبقى احتمال كونها من تأليف أبي كهمس مانعاً من حجية صدور الرواية.

ومما يقوّي الإطمئنان بروايته رواية الأجلاء عنه، کَحَریز بن عبد الله ، وعلي بن الحكم، ومحمد بن مروان، وحنان بن سدير، وحجاج بن رفاعة الكوفي الخشّاب، وعلي بن عقبة، ومروان بن مسلم.[۲۲]

وقد عبر بعض الأعلام قدس سره عن رواية أبي كهمس بالصحيح،[۲۳] أو القوي[۲۴] كالصحيح.[۲۵]

ويؤيد ذلك: أنّ الشيخ قدس سره بعد ذكر هذا الحديث قام بدفع المنافاة بينه و بين صحيح عبد الله بن سنان بالإجمال والتفصيل، فلو لم تكن الرواية معتبرة عنده لما قدمها على الصحيح بسبب اجمال الصحيح، قال قدس سره: (فلا ينافي الخبر الأَوَّلَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَن عبد الله بنِ سِنَانٍ مِن قَوله… لأَنَّ ذلك الخَبرَ مُجْمَلٌ وهَذَا الخبر مُفصَّل والحُكْم بالمُفَصَّلِ أَوْلَى مِنه بالمُجْمَلِ)،[۲۶] ولذا نرى صاحب المدارك يُشكل على عبارة الشيخ قدس سره هذه بقوله: (وهو جيد لو تكافأ السندان، ولكن الأولى ضعيفة…).[۲۷]

النتيجة: ثبوت إعتبار رواية أبي كهمس

وذلك للوجه الأول من الوجوه، مؤيِّداً ببعض الوجوه الأخرى.

(کتاب الحج ج۲۴ ص۸۳).



۱ ـ أنظر روضة المتقين: ۱٤: ۳۱۷ – ۳۱۸.

۲ ـ رجال النجاشي: ٤٣٦ رقم ١١٧٠.

۳ ـ رجال الشيخ الطوسي – الأبواب: ٣٢٠ رقم ٣٥.

۴ ـ وهو العلامة النوري له في خاتمة المستدرك: ۴: ۴۴۲.

۵ ـ محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري ثقة جليل القدر (ت ۲۸۰ هـ).

۶ ـ أنظر رجال النجاشی (فهرست أسماء مصنفی الشیعة) : ۳۴۸.

۷ ـ أنظر التعليقة على الاستبصار – الميرداماد – : ١٧ و ٣٤ / مناهج الأخيار – السيد أحمد العلوي: ١: ٨٥/ مصابيح الظلام – الوحيد البهبهاني – : ۱۳۲/ منتهى المقال – محمد بن إسماعيل المازندراني ـ۱: ٢٠٧/ الفوائد الرجالية – السيد بحر العلوم ـ: ۱: ۳۹۸ و ٤٦٢ و: ٤: ١٤٤ / جواهر الكلام: ٤: ٨/ خاتمة المستدرك: ٤: ٧٣.

۸ ـ تهذيب الأحكام المشيخة: ۷۱.

۹ ـ الفهرست: ٤٥.

۱۰ ـ أنظر الإستبصار: ٤ ٣٣٨٧ / تهذيب الأحكام: ٩: ٧ ح٣٤.

۱۱ ـ أنظر الكافي: ١٤: ٥٣ ح ۳/ علل الشرائع: ٢: ٦٠٦ ح ٨١/ الاستبصار: ٤: ٥٥ ح٩.

۱۲ ـ أنظر روضة المتقين: ٤: ٤٤٣ / علل الشرائع: ٢ : ٥٦٤ / من لا يحضره الفقيه: ٤: ١٦٠ / معجم رجال الحدیث: ۳۲۰:۱۷.

۱۳ ـ وسائل الشيعة: ۱۲ : ۹۱ ح٦.

۱۴ ـ الإقبال بالأعمال: ٣: ٤٦ / ومنتهى المقال: ٦: ۳۹۹ / وانظر رسائل الشريف المرتضى: ۲: ۱۷۹ حيث صرّح أن وهب في طبقة أبي الأسود الدؤلي والحسن البصري.

۱۵ ـ اختيار معرفة الرجال رجال الكشي ٣٧٥.

۱۶ ـ المصدر نفسه : ٥٥٦.

۱۷ ـ أنظر وسائل الشيعة: ۳۰ : ۲۲۲ – ۲۲۳.

۱۸ ـ أنظر الإستبصار: ۳: ۲۸۲.

۱۹ ـ أنظر تهذيب الأحكام ٤ : ٢٤٥ ح ١٤ / وللشيخ طريق صحيح إلى حماد بن عيسى في الفهرست: ٦١ / وإلى حماد بن عثمان في الفهرست ٦۰.

۲۰ ـ أنظر الكافي: ٣ : ٢٧٠ ح۵.

۲۱ ـ إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ١٦٣ – ١٦٤.

۲۲ ـ أنظر خاتمة المستدرك: ٤: ٤٤٢.

۲۳ ـ في لوامع صاحبقراني: ۱: ٧٦

۲۴ ـ ذخيرة المعاد: ۱ ق۱: ۸۸.

۲۵ ـ روضة المتقين: ١٢: ١٤٩.

۲۶ ـ الاستبصار: ۲ : ۲۱۹ / وصحيح ابن سنان ذكره في ٢١٨ ح٥ .

۲۷ ـ مدارك الأحكام: ۸: ۱۷۰.

دیدگاه‌ خود را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پیمایش به بالا