كان سند الرواية هكذا: الشيخ الطوسي قدس سره بإسناده إلى موسى بن القاسم، عن اسماعيل، عن أحمد بن عمر المرهبي، عن أبي الحسن الثاني علیه السلام.
والبحثُ من جهة سند الرواية يكون في عنوانين:
العنوان الأول: في اسماعيل
والظاهر كونه اسماعيل بن هُمام بقرينة رواية موسى بن القاسم عنه،[۱] وهو ثقةٌ بتوثيق النجاشي والعلّامة.[۲]
العنوان الثاني: في أحمد بن عمر المرهبي[۳]
وهو مجهول، فلم يتعرّضوا لذكره في كتب الرجال، والظاهر أن أوّل من ذكره في الكتب هو صاحب جامع الرواة،[۴] وليس له رواية في كتب الحديث عدا روايتنا الوحيدة هذه التي ذكرها الشيخ قدس سره في التهذيب.
وفي فنّ الرجال لا يكون هذا الأمر مقبولاً، بل يلجأون في هذه الحالات إلى البحث عن التصحيف.
احتمال التصحيف في سند الرواية
وهنا أربعة احتمالات:
الاحتمال الأول:
أن يكون الصحيح هو: (احمد بن عمر الحلبي) بدلاً عن (المرهبي) والحلبي هذا من أصحاب الإمام الرضا علیه السلام ، وهو من الثقات،[۵] فتكون الرواية صحيحةً بناءاً على هذا الاحتمال.
الاحتمال الثاني:
أن يكون اسماعيل في عرض أحمد بن عمر وليس راوياً عنه، فبدل أن يكتب الناسخُ: ( عن اسماعيل وأحمد بن عمر) كتب (عـن إسماعيل عن أحمد بن عمر) وهذا الغلط ليس بقليلٍ وقوعه في الأسانيد، وهو احتمال قويٌّ خصوصاً مع وجود قرينةٍ تؤيّده، وهي كون اسماعيل بن هُمام يروي عن الإمام الرضاعلیه السلام كثيراً بلا واسطة، وهو من الثقات المعروفين فمن البعيد أن يأخذ عن المجهول – ذاتاً وحالاً – روايةً عن الإمام الرضا علیه السلام، بل من الثابت أنّ اسماعيل يروي أيضاً عن الإمام أبي الحسن الكاظم علیه السلام عدّة روايات،[۶] لذا فإنّ البَرقي ذكره في أصحاب الكاظم علیه السلام.[۷]
الاحتمال الثالث:
أن يكون أحمد بن عمر الحَلّال هو الصحيح، فصُحِف (الحَلّال) إلى (المرهبي) والحَلّال ثقةٌ بتوثيق الشيخ قدس سره،[۸] ولكن اللقب ليس شبيهاً بلقب المرهبي، فيمكن استبعاد هذا الاحتمال وإن كان في نفس الطبقة مع اسماعيل.
الاحتمال الرابع:
أن يكون الصحيح هو (أحمد بن علي المرهبي) بدلاً عن (أحمد بن عمر) فحلّ عمر محلّ عليٍّ، وهو مجهولٌ، ولكن الطبقة لا تساعد على ذلك، فيسقط هذا الاحتمال.
و وجه الاستبعاد: هو بُعد الطبقة والفترة الزمنية الكبيرة بين زمن أحمد بن علي المرهبي وبين زمن مولانا الرضا علیه السلام، فلا يتجاوز زمنه عادةً كونه في القرن الخامس أو الرابع الهجري، مع أنّ الإمام الرضا علیه السلام – الذي يروي عنه المرهبي في روايتنا – قد استشهد في عام (۲۰۲ هـ)، ونذكر شاهدَين لذلك:
الشاهد الأوّل:
مارواه عماد الدين الطبري رحمه الله في كتاب بشارة المصطفى، حيث قال في سند الحديث: (أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْبَرَكَاتِ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن حَمْزَةَ الْعَلَوِيُّ وأبو غالِبِ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ الْكُوفِيَّانِ بِهَا سَنَةَ عَشَرَة وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَلَوِيُّ[۹] قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِي الْمُرْهِبِي النَّحْوِي ….).[۱۰]
فيظهر أن العلويَّ والثقفيَّ قد رَوَيا الحديث في عام (٥١٠ هـ) عن المرهبي بواسطتين فقط، فأكثر ما يمكن قبوله عادةً أنَّ المرهبيَّ كان موجوداً في القرن الخامس.
الشاهد الثاني:
ما رواه السيد البحراني قدس سره في كتاب حلية الأبرار، حيثُ ذكر مُعَنْعِناً: (وعنه قال: أخبرنا العلّامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود الزمخشريّ، أخبرنا الأستاذ الأمين أبو الحسن علي بن مردك الرازي، أخبرنا الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السّمان – المتوفى سنة ٤٤٨هـ ـ أخبرنا أبو القسم عليّ بن الحسين الغروي بالكوفة، أخبرنـا أبـو العبّاس أحمد بن علي المرهبي …).[۱۱]
فهذا السند أيضاً يثبت الاستحالة العاديّة لرواية المرهبي – هذا – عن الإمام أبي الحسن الرضا علیه السلام .
نعم، هذه الروايات وإن لم يثبت صحة سندها ولكنها لا تؤثّر في إثبات الطبقات كما هو المعروف في علم الرجال.
وعلى أساس ذلك فالرواية تكون صحيحةً بناءاً على الاحتمالات الثلاثة الأولى، أما الاحتمال الرابع فهو مستبعد جداً لمانعية الطبقات.
ولكن على كلّ حالٍ فإنّ ترك هذه الرواية مشكلٌ ولكن الاعتماد عليها بهذا المقدار أشكل.
(کتاب الحج ص ۱۵۸ و ص ۱۶۰ الی ۱۶۴)
۱ ـ ورد في كتاب فضائل أمير المؤمنين (لإبن عقدة) : ٧٩ : ح٧٦ / وأمالي الشيخ الطوسي: ۳۳۸: ح ۲۷ بهذا السند ابن عقدة عن موسى بن القاسم، عن اسماعيل بن همام.
۲ ـ أنظر: رجال النجاشي: ٣ رقم ٦٢ خلاصة الأقوال: ٥٧: رقم ١٩.
۳ ـ على وزان مُحسِن، أنظر تنقيح المقال – ط. ح : ٨: ٣٤٦ : رقم ٦٣٢.
۴ ـ جامع الرواة : ١ ٥٧: رقم ٣٥٥.
۵ ـ أنظر: فهرست أسماء مصنفي الشيعة رجال النجاشي): ٩٨: رقم ٢٤٥.
۶ ـ أنظر تفسير القمي: ٢: ٢٥٤/ تفسير العياشي: ١: ١٩٦: ح ۱۳۷/اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)۱ :١٦٧ معجم رجال الحديث: ٤: ١٠٩: رقم ١٤٤٩.
۷ ـ رجال البرقي: ٥١.
۸ ـ أنظر رجال الطوسي ٣٥٢ رقم ۲٤٥.
۹ ـ شخصية معروفة له كتاب المغازي، كان من أصحاب الإجازة في الحديث، يلقب بالحافظ والفاضل والمحدّث، أنظر: سير أعلام النبلاء: ١٥: ١٨٥/ وج ۲۰ : ٢٧ وص ١٤٦ توضيح المشتبه: ۹: ۱۲۷/ معجم المؤلفين: ۱۱: ۲۲/ مستدرك وسائل الشيعة: ٣: ١٥.
۱۰ ـ بشارة المصطفى لشيعة المرتضى (ط – القديمة ٢ : ٥٠.
۱۱ ـ حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار علیهم السلام : ۲: ٦٧: ح ۱۲: الباب ۸.