العنوان الثاني: إسماعيل بن مرّار
وأما الإشكال في سندها من جهة إسماعيل بن مَرّار لمجهوليته وعدم التوثيق الخاص له كما عن بعض الأعلام[۱] فيمكن دفعه وإثبات وثاقته بوجوه:
وجوه التوثيق لإسماعيل بن مرار
الوجه الأول : التوثيق العام للقُميين
ويتّضح ذلك بذكر ثلاث مقدمات:
المقدمة الأولى: ما هو معروف من ديدنهم مع الرواة بالتشدّد في أخذ الرواية، والقيام بمجابهة من يتساهل في الأخذ من أيٍّ كان إلى درجة تصل إلى الطرد من قم، كما حصل مع أحمد بن أبي عبد الله البرقي وسهل الآدمي.[۲]
المقدمة الثانية: أنّهم صحّحوا كتب يونس بن عبد الرحمن وتلقّوها بالقبول وعملوا بها، وقد صرّح محمد بن الحسن بن الوليد قدس سره بقبول جميع روايات يونس إلا ما تفرد به اليقطيني[۳] مع وثاقته.
المقدمة الثالثة: أنّ أغلب كتب يونس وصلت عن طريق إسماعيل بن مرار،[۴] فيُعلم كونه أعلى وثاقةً من اليقطيني عندهم، قال في الذخيرة: (لكنه من الرواة المشهورة، وقد نقل الأصحاب كتاب يونس بن عبد الرحمن من طريقه).[۵]
وقال في الجواهر: ( ولعلّ إسماعيل بن مرّار الذي رُمي بالجهالة يقرب إلى الوثاقة، لعدم استثناء القميين ممّن يروي عن يونس غیر محمد بن عیسی بن عبید).[۶]
والنتيجة: ثبوت التوثيق العام لإسماعيل بن مرار.
لا يُقال: بأنّ تصحيح الكتاب وقبول رواياته عند القدماء أعمّ من توثيق الرواة، لاحتمال وجود قرائن ولّدت الاطمئنان عندهم بصدور الكتاب.
لأنه يُقال: إنّ ظاهر كلام إبن الوليد في المقام هو استثناء الرواة لضعفهم مع بُعد كون جميع من لم يستثنهم قد حفَّت برواياتهم قرائن تفيد الإطمئنان بصورة كاملة، فلو كان المعيار عندهم تصحيح الروايات لقاموا بعزل وتبويب الروايات لا الرواة، ولذلك فقد قيَّد إبن الوليد التصحيح لكتب يونس بالكتب المسندة، لا مطلق الكتب وإن لم يكن لها سنداً، فيكشف عن إعتماده في التصحيح على الأسانيد والرواة، قال قدس سره: (وكتب يونس التي هي بالروايات كلّها صحيحة يعتمد عليها…).[۷]
ولو سلّمنا ما قيل في الإيراد، فلا يخدش في حجيّة روايتنا، لأنها عن يونس.
الوجه الثاني: توثيق إبن الوليد[۸]
فهو من رواة نوادر الحكمة لأحمد بن محمد بن يحيى، وقد استثنى محمد بن الحسن بن الوليد – وتبعه الصدوق وغيره[۹]– جماعة منهم لم يكن منهم إسماعيل بن مرار، فيدخل في المستثنى منه، ويشمله التوثيق العام لإبن الوليد.
وأورِد عليه بإشكالين:
المناقشة في توثيق إبن الوليد
الإشكال الأول (للسيد الخوئي قدس سره)
بقوله: (بأنّ عدم الاستثناء وإن دلّ على العمل بروايات الرجل كما ذكر إلا أنّه لا يدلّ على توثيقه بنفسه، لجواز أن يكون مبنى إبن الوليد على أصالة العدالة كما هو مسلك العلامة، إذ لم يظهر لنا مبناه في هذا الباب. وعلى الجملة: العمل بمجرّده أعم من التوثيق بعد تطرّق الإحتمال المزبور، فلا يجدي ذلك لمن يرى كما هو الصحيح اعتبار وثاقة الراوي في العمل بروايته).[۱۰]
بیان الاشکال: أنّ تصحیح القدماء للروایة إنّما یلازم توثیق الراوی لو انحصر المبنی بإعتبار الوثاقة عندهم، و لکن مع احتمال ـ بل المظنون ـ کونهم یعملون بروایة کل إمامی لم یظهر فسقه و إن لم یکن ثقةً اصطلاحاً، و هو ما یصطلح علیه "اعتبار العدالة" کما هو مبنی العلامة قدس سره فلا یکشف قبولهم الروایة عن توثیقهم له حتی تکون حجة عند من یشترط وثاقة الراوی ـ کما هو الحق ـ .[۱۱]
دفع اشکال السید الخوئی قدس سره.
و قد یناقَش هذا الاشکال من جهتین:
الجهة الاولی: أنّ السید الخوئی قدس سره نفسه قَبِل توثیق إبن مرّار استناداً الی استثناء إبن الولید قدس سره فی موضعٍ آخر،[۱۲] و هذا تنافٍ بیّنٍ.
الجهة الثانیة: مع وجود التصانیف الکثیرة للقدماء فی الرجال، و تنصیصهم علی وثاقة هذا و مجهولیة حال ذاک، فاحتمال عدم اعتبارهم للوثاقة فی الراوی و کفایة العدالة أمرٌ بعیدٌ جدّاً، و إن وُجِدَ هکذا مبنی فلندرته لا بدّ أن یکون صاحبه معروفاً بین الفقهاء، مُشاراً إلیه من قِبَلهم ـ کما حصل مع العلامة ـ فعدم ذِکرهم لهکذا مبنی ـ فضلاً عن ذِکر صاحبه ـ یکشف عن عدم وجوده، خصوصاً مع ملاحظة مخالفة هذا القول للسیرة القطعیة علی اعتبار الوثاقة فیه.
الإشکال الثانی (للسید الحکیم قدس سره)
ما ذکره قدس سره[۱۳] من أنّ التوثیق الحاصل من أستثناء ابن الولید مختصٌ بما ورد فی کتاب نوادر الحکمة، و لایشمل جمیع روایات إسماعیل عن یونس و إن کانت فی غیر هذا الکتاب.
دفع الإشکال
و هو مدفوع بأنّ توثیق إبن الولید ـ والقمیین ـ المستفاد من الإستثناء إنّما یفید التوثیق المُخبری لاالخَبری، فمفاد قوله أنّ جمیع الروایات فی النوادر صحیحة و معتمد علیها ثمّ استثناء بعض الرواة منها یدلّ علی أنّ باقی الرواة ثقات عنده.
لعلّ هذا الأمر هو ما جعله قدس سره یأمر بالتأمل.
الوجه الثالث: التوثیق العام لمشایخ إبن أبی عمیر
فقد روی عنه إبن أبی عمیر کما فی روایة الکلینی عن علی بن ابراهیم، عن أبیه، عن أبن أبی عمیر، عن إسماعیل بن مرار، عن یونس، عن إبن مسکان، عن أبی بصیر قال: «سألته عن رجلٍ أهدی هدیاً فانکسر؟ فقال: إن کان مضموناً ـ والمضمون ما کان فی یمین یعنی نذراً أو جزءاً ـ فعلیه فداؤه…».[۱۴]
و قد شهد الشیخ قدس سره بأنّه ممّن لا یروی و لا یرسل إلا عن ثقة، فیکون اسماعیل بن مرّار مشمولاً بهذا التوثیق العام.
الإشكال من جهة الصغرى
أورد عليه بعض الأعلام قدس سره بالتصحيف،[۱۵] فهي رواية واحدة في الكافي، وقد روى الشيخ قدس سره نفس الرواية في كتابيه[۱۶] دون ذكرٍ لابن أبي عمير، وكذلك في الوافي.[۱۷]
ويؤكّد هذا الإشكال: ما في الوسائل وملاذ الأخيار من عدم ذكر ابن أبي عمیر عند إيراد نفس الرواية،[۱۸] بل نفس الكافي في بعض نسخه كذلك.[۱۹]
وكيف كان فكون إبن أبي عمير قد روى عن إبن مرّار مرة واحدة وإن كان أمراً ممكناً ولكن لا يمكن الإعتماد عليه في التوثيق مع هذه الإحتمالات، والذي يدفع احتمال تعمّد الزيادة في السند هو ما ذكره في الوسائل بإثبات الواو بينهما،[۲۰] فيكون إبن أبي عمير في عَرْض إبن مرّار لا راوياً عنه.
الوجه الرابع: توثيق علي بن إبراهيم القمي رحمه الله[۲۱]
فهو من رواة تفسير علي بن إبراهيم،[۲۲] وقد دلّ كلامه في مقدمة كتابه على توثيق جميع مشايخه في التفسير.
وهذا الوجه قد اعتمد عليه السيد الخوئي قدس سره، ونحن نعدّه وجهاً قوياً في التوثيق وإن كنّا نحتاط وجوباً عند انحصار التوثيق بهذا الوجه.
الوجه الخامس: إكثار إبراهيم بن هاشم الجليل القدر الرواية عنه
ممّا يشهد بحسن حاله والإعتماد على روايته،[۲۳] وصرّح في الغنائم بأنّه مؤيد قوي.[۲۴]
مضافاً إلى إكثار الكليني قدس سره الرواية عنه، حيث بلغت رواياته في الكافي ما يربو على مئة حديث، مع ملاحظة ما ذكره في مقدمة الكافي من أنّه لا يروي إلا ما هو حجة بينه وبين الله تعالى، فيُعلم إعتماد الكليني على روايات إسماعيل بن مرار.
والحق: أنّ هذا الوجه – إكثار الرواية – لا يرقى إلى أكثر من كونه مؤيّداً ومفيداً للإطمئنان الشخصي.
نتيجة الكلام في إسماعيل بن مرّار
لبعض الوجوه التي مرّت فإنّ إسماعيل بن مرّار قد ثبتت وثاقته وقبول روايته عندنا، تبعاً لبعض الأعلام قدّس سرّهم[۲۵] حتى قال بعضهم: (لا مریة في ثقته وجلالته)،[۲۶] بل يظهر من العلامة ذلك في المختلف.[۲۷]
ومما ذكرنا تبيّن أنّ قول الفاضل الآبي: (مقدوح فيه)[۲۸] مما لا أساس له.
(کتاب الحج ج۲۴ ص ۹۶).
۱ ـ أنظر: مسالك الأحكام: ۱۰ : ۳۳ / مجمع الفائدة والبرهان: ۳: ۳۷۳/ مدارك الأحكام: ٤: ٤٥٢ ، وغيرهم.
۲ ـ أنظر: رجال النجاشي: ١٨٥ : رقم ٤٩٠ كتاب الضعفاء – إبن الغضائري : ۳۹ : رقم ١٠.
۳ ـ أنظر: الفهرست (للشيخ الطوسي): ۱۸۲ / وص ٢٦٦ / الاستبصار: ٣: ١٥٦.
۴ ـ المصدر السابق وذكر السيد الخوئي قدس سره في المعجم: ٤: ٩٦ أنها تزيد على ۲۰۰ رواية.
۵ ـ ذخيرة المعاد – ط ق : ١: ق٢: ٣٣٥.
۶ ـ جواهر الكلام:٣: ١٥٥.
۷ ـ الفهرست:١٨٢.
۸ ـ ذكره السيد الخوئي الله في الموسوعة: ٧: ۱۲٦ – ۱۲۷.
۹ ـ أنظر: رجال النجاشي: ٣٤٨ / والاستبصار: ٣: ١٥.
۱۰ ـ موسوعة الإمام الخوئي: ۲۰: ۱۷۱.
۱۱ ـ هذا البیان مستفاد من کلامه قدس سره فی معجم رجال الحدیث۱: ۶۲ / و ۴: ۹۶.
۱۲ ـ موسوعة الإمام الخوئی قدس سره ۷: ۱۲۶ ـ ۱۲۷.
۱۳ ـ السید الحکیم قدس سره فی مستمسک العروة الوثقی: ۳: ۱۹۷.
۱۴ ـ الکافی ۴: ۵۰۰: ح۸/ و منه مرآة العقول: ۱۸: ۱۸۳: ح۸.
۱۵ ـ السيد الخوئي الله في عدة موارد، منها معجم رجال الحديث: ٤: ٩٧.
۱۶ ـ الاستبصار: ۲: ۲۷۲: ح۱/ تهذيب الأحكام: ٥: ٢٢٤: ح٩٥.
۱۷ ـ الوافي: ۱۳: ٧٧٥: ح۱۳.
۱۸ ـ وسائل الشيعة: ١٤: ١٣٥ ح٢/ وملاذ الأخيار: ٨: ٥٥: ح٩٥.
۱۹ ـ أنظر الكافي ط دار الحديث: ۹: ۱۲۹ ح۸/ وذكر في هامش رقم ٤ بعض النسخ.
۲۰ ـ وسائل الشيعة: ١٤: ١٦٥: ح١٦.
۲۱ ـ ذكره واعتمد عليه السيد الخوئي في معجم رجاله: ٤: ٩٦/ والموسوعة: ٧: ١٢٧.
۲۲ ـ تفسير القمي: ۱: ٧٤ / وص ٢٠٥.
۲۳ ـ الحدائق الناضرة: ۱۶: ٢٠٤.
۲۴ ـ غنائم الأيام – للميرزا القمي – : ٥: ٢٠٩.
۲۵ ـ كصاحب الحدائق: ١٦: ٢٠٤ / والمجلسي الأول في روضة المتقين: ۷: ٤١٧ / وصاحب الذخيرة: ١: ق ٢: ٣٣٥ / والميرزا القمي في غنائم الأيام: ۵: ۲۰۹.
۲۶ ـ مناهج الأخيار: ۲: ٣٦.
۲۷ ـ مختلف الشيعة ٥: ١٧٤ فأشكل على رواية فيها إسماعيل بقوله: (لكن يونس لم يسندها إلى الإمام).
۲۸ ـ کشف الرموز: ۱: ۵۲۱.