الأول: سماعة بن مهران
فغاية ما يُمكن أن يُقال في تضعيفه هو دعوى وقفَه، فقد قال الصدوق قدس سره: (وبهَذِهِ الأَخبار أفتِي، ولا أفتِي بالخَبَرِ الَّذِي أَوجَبَ عَلَيْهِ القَضَاء لأَنَّهُ رِوَايَةُ سَمَاعَةَ بنِ مِهْرَانَ وَكَانَ وَاقِفِيّاً).
وجاء الشيخ الطوسي قدس سره من بعده فقال عنه: (كوفي له كتاب، روى عن عبد الله، واقفي).
فهنا دعوییان:
الدعوى الأولى في كونه واقفياً
وقد ناقش بعض الأعلام قدس سره هذه الدعوى بعدّة مناقشات، أهمها:
١. ما ذكره النجاشي قدس سره في دفع كلام إبن الغضائري، حيث قال إنّه وجد في بعض الكتب أنّ سماعة قد توفي في حياة الصادق علیه السلام سنة مئة وخمس وأربعين، فردّ عليه النجاشي بقوله: ( وليس أعلم كيف هذه الحكاية، لأنّ سماعة روى عن أبي الحسن علیه السلام.[۱]
فلو كان قد عاش إلى زمن حدوث ظاهرة الوقف لكان الأجدر أن يذكر النجاشي أنّه عاش إلى زمن الرضا علیه السلام لا أن يكتفي بكونه روى عن الكاظم علیه السلام.[۲]
۲. أنّ سماعة بن مهران من الرواة المشهورين بين الأصحاب، ولو كان واقفياً لأشتهر بينهم ذلك، مع أن مسألة وقفه لم يتعرّض لها كبارُ أهل الرجال کالنجاشي والبرقي والكشي وإبن الغضائري، بل نفس الشيخ قدس سره لم يذكره في أصحاب الرضا علیه السلام في رجاله.[۳]
٣ . توجد روايتان تنافي دعوى الوقف؛ الأولى: ما رواه الكشي في ترجمة أبي زرعة، حيث روى عن سماعة إثبات إمامة الإمام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه الشریف. والثانية: عن الكافي الشريف فيها إثبات عدد الأئمة الإثني عشر علیهم السلام.[۴]
وغير ذلك من القرائن التي تضعّف كون سماعة بن مهران كان واقفياً، فيبقى إثبات دعوى ذلك على مدّعيها.
الدعوى الثانية: مسألة ضعفه وعدم فتوى الصدوق على طبق روايته
وهنا ينبغي التنبيه على الفرق بين عدم العمل برواية شخصٍ رأساً، وبين عدم العمل بها في مقام التعارض، فالأول يدلّ على التضعيف، أما الثاني فهو من باب ترجيح أحدى الحجّتين على الأخرى، فهو اعتراف ضمني بحُجيّة الخبر المتروك، وكلام الصدوق في المقام الثاني كما هو واضح، حيث رجّح الخبر الآخر معللاً بوقف سماعة، وهو الترجيح بصفات الراوي.
النتيجة في تضعيف سماعة بن مهران
عدم ثبوت ما يدلّ على تضعيفه أو وقفه، ولو سلّمنا مسألة وقفه، فقد ثبت عدم خدشة مُعتقَد الراوي في وثاقته، على القول بحجيّة خبر مطلق الثقة – على ما هو التحقيق -.
أما في جانب التوثيق
فقد ثبت لسماعة توثيقات خاصة وعامة:
أولاً: التوثيق الخاص
ما ذكره النجاشي قدس سره، فقد قال بعد ذكر اسمه وكنيته (ثقة ثقة)،[۵] وهذا التكرار يدلّ على مرتبةٍ عاليةٍ من الوثاقة في الإصطلاح كما لا يخفى.
ثانياً: التوثيقات العامة
أولاً: كونه من مشايخ الثقات
فقد روى عنه إبن أبي عمير والبزنطي وصفوان،[۶] وقد ثبت أنهم لا يروون إلا عن ثقة كما هو المشهور.
ثانياً: هو ممّن روى عنه في نوادر الحكمة ولم يستئنه إبن الوليد قدس سره
ثالثاً: هو ممّن روى عنه كثير من أصحاب الإجماع
كعثمان بن عيسى وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب ويونس وغيرهم، وقد عدّ البعض منهم إلى عشرة،[۷] ممن شهد الأصحاب بتصحيح ما صحّ عنهم.
رابعاً: توثيق الشيخ المفيد قدس سره
فهو ممّن عدّهم الشيخ المفيد قدس سره في رسالته العددية من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يُطعن عليهم، ولاطريق إلى ذمّ واحدٍ منهم.[۸]
ويؤيده ما رواه الكشي عن الرضا علیه السلام عند عرض رواية زرعة عن سماعة عليه، أنّه قال: «كذب زرعة، ليس هكذا حديث سماعة»،[۹] ففيه تصديق لسماعة، غاية الأمر ضعف سند الكشي إلى هذه الرواية.
وقد يُشكل أيضاً من جهة كون دلالتها أخص من المدعى لاحتمال تصديقه في خصوص هذه الرواية لا مطلقاً.
ومما ذكرنا يظهر أنّ تصنيف العلامة قدس سره و إبن داوود قدس سره لسماعة في القسم الثاني – الضعفاء – من كتابيهما[۱۰] مما لا وجه له.
هذا تمام الكلام في سماعة بن مهران وقد ثبت عدم الريب في وثاقته.
(کتاب الحج ج۲۴ ص ۹۲).
۱ ـ رجال النجاشي – فهرست أسماء مصنفي الشيعة – : ١٩٣ – ١٩٤.
۲ ـ أنظر خاتمة المستدرك: ٤: ٣٤٦.
۳ ـ اشار إلى هذه المناقشة في معجم رجال الحديث :٩ ٣١٤ / وخاتمة المستدرك: ٤: ٣٤٥.
۴ ـ أنظر معجم رجال الحدیث: ۹: ٣١٤ ورواية الكشي في اختيار معرفة الرجال: ٤٧٧/ ورواية الكافي: ٢: ٧٠٥ – ٧٠٦ ح٢٠.
۵ ـ رجال النجاشي: ١٩٣: رقم ٥١٧.
۶ ـ أنظر الكافي ٧ : ٣٤٦ ح ٤ / ومن لا يحضره الفقيه ٤: ١٢١ وتهذيب الأحكام ٤: ٢٩٢ ح ۸۸۸/ وانظر خاتمة المستدرك ٤: ٣٤٢.
۷ ـ أنظر خاتمة المستدرك ٤: ٣٤٣.
۸ ـ أنظر معجم رجال الحديث : ۹ : ۳۱۳ / وانظر أجوبة أهل الموصل للمفيد: ص ٢٥ وص٤١.
۹ ـ رجال الكشي – اختيار معرفة الرجال – : ٤٧٧.
۱۰ ـ أنظر معجم رجال الحدیث: ۹: ۳۱۳.